خاص
تم.النشراللواء في 16 كانون الثاني 2021
✍هيثم زعيتر
«مستشفى حمود» ... صرح طبي جامعي من «عاصمة الجنوب»
حملت الساعات الماضية بيع «مستشفى حمود»- مركز طبي جامعي في صيدا، الذي أنشأه وأسّسه الدكتور غسان حمود، إلى رجل الأعمال الجنوبي المُهندس نصير عميس وأفراد عائلته.
استحوذ خبر البيع بالاهتمام على مُستويات عدّة، وأحد أبرز المراكز الطبية الجامعية المُتطورة، ليس على صعيد صيدا والجنوب فحسب، بل على مُستوى لبنان، خاصة بعد 55 عاماً من إنشاء الدكتور غسان حمود للمستشفى في العام 1966، وتطويره ليتجاوز تقديم العلاج إلى استحداث أقسامٍ ساهمت في بلسمة جراح الصيداويين والجنوبيين وأبناء إقليمَي التفاح والخروب، وصولاً إلى أنحاء لبنان كافة، بل إلى خارجه، بما في ذلك أبناء المُخيمات والتجمعات الفلسطينية.
علمت «اللـواء» أنّ قيمة صفقة البيع بلغت 15 مليون دولار أميركي مُقسّمة على (5 ملايين دولار دفعت نقداً و10 ملايين شيكات بنكية).
ويشمل العقد التكفل بالديون المُستحقة على المستشفى والبالغة قيمتها 100 مليار ليرة لبنانية، فيما هناك مُستحقات للمستشفى على مُؤسسات عدة تبلغ قيمتها 50 مليار ليرة.
تقع المستشفى على مساحة 11 ألف دونم مُوزعة على 3 عقارات في منطقة الدكرمان العقارية وسط مدينة صيدا.
وتم الاتفاق على المُحافظة على اسم المستشفى كما هو، «مستشفى حمود» - مركز طبي جامعي في صيدا، وأن يبقى الطاقم الطبي والإداري في المستشفى لمُدة سنة ونصف السنة.
وانتقلت الملكية إلى رجل الأعمال المهندس نصير علي عميس، الذي تعود أصوله إلى بلدة الزرارية - قضاء صيدا، وهو رجل أعمال في أميركا وأبيدجان، ونجله محمد، وشقيقاه: الدكتور إبراهيم عميس (أخصائي جراحة الدماغ والأعصاب في «الجامعة الأميركية» - بيروت، والذي عُين رئيساً لمجلس الإدارة ومُديراً عاماً لها) ومحمد عميس.
وسيصل أولاد أشقاء نصير عميس، الأطباء في الولايات المُتحدة الأميركية إلى لبنان للعمل والمُساهمة في تطوير المستشفى.
يُعتبر بيع «مستشفى حمود» خسارة صيداوية كبيرة تفتقدها «عاصمة الجنوب» بعد توالي خسارة العديد من المُؤسسات والمعالم والجمعيات والهيئات فيها.
وتُطرح التساؤلات: لماذا لم يتم دعم الدكتور غسان حمود للمُحافظة على أحد أهم المراكز الطبية، أو إقدام فاعليات صيداوية على شرائها بدلاً من استمرار النزف إلى خارج المدينة؟!
تُعتبر «مستشفى حمود» واحدة من أهم المراكز الطبية الذي بناها الدكتور غسان حمود مع شقيقيه المُهندسين أمين وفؤاد، بعدما تمكن والدهم صبحي سليم حمود من تعليم أبنائه الثلاثة وبذل من أجل ذلك الكثير.
خلال جلسات سابقة مع الدكتور غسان حمود الطبيب الإنسان، حدثني عن رحلته التعليمية، ودراسته الطب في «الجامعة الأميركية» - بيروت، قبل التوجه إلى ألمانيا والتخصص بالجراحة النسائية والعامة، حيث اقترن هناك بزوجته الألمانية بربارة.
في العام 1966 وصل إلى صيدا، لم يتمكن من إيجاد عمل بسهولة، اختار أن يبدأ خطوة تلو الأخرى، فكان المنزل الذي ورثه والده صبحي، وسط بساتين صيدا، وبعيداً عن الضوضاء، الركيزة الأولى، فتم بناء طابقين للمستشفى، وخصص غرفة لقسم العمليات والتوليد وأخرى للأشعة.
الطبيب الذي انطلق بمجهود شخصي، وانتمى إلى «حركة القوميين العرب» والخلية التي كان يترأسها شقيقه المُهندس أمين، توطدت علاقته أكثر بصديقه رفيق الحريري الذي أصبح لاحقاً رئيس وزراء لبنان، فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان لاحقاً، عدنان الزيباوي، الدكتور جورج حبش، الدكتور وديع حداد، ومحسن إبراهيم الذي اقترن بابنة عمه سميرة كريمة مُفتي صيدا الأسبق الشيخ أنيس حمود.
تحوّل المستشفى ذو الطابقين، ليس فقط إلى مركز طبي، بل إلى مُلتقى لاجتماعات المُناضلين من أجل قضية فلسطين.
كانت الظروف صعبة، والإمكانيات ضئيلة، فكان يجري تحويل العمليات الحرجة والصعبة إلى بيروت.
مع تطور الوضع الأمني وانطلاق العمل الفدائي الفلسطيني من جنوبي لبنان في أواخر ستينيات القرن الماضي، بدأت المستشفى تستقبل الجرحى من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، ما اضطر إلى توسيعها وزيادة المبنى بأربع طوابق.
قبل الاجتياح الإسرائيلي كانت المستشفى مُلتقىً لعقد الاجتماعات التي شارك فيها الرئيس ياسر عرفات مع القيادات الصيداوية يوم حاول البعض توتير الأجواء بين أبناء صيدا والثورة الفلسطينية، فوئدت الفتنة.
في حزيران/يونيو 1982، إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان، عزل الاحتلال الجنوب عن باقي المناطق، فاتخذ الدكتور حمود قراره باستحداث قسم لغسيل الكلى، مُستعيناً بعلاقاته في ألمانيا التي سلمته 7 ماكينات مع لوازمها كافة نُقلت عبر «الصليب الأحمر الدولي» إلى بيروت ومنها إلى صيدا، وكانت كفالة سداد ذلك، اسمه وعلاقته بتسديد كلفتها ومصاريفها بالتقسيط، وتطور هذا القسم باستحداث زرع عمليات كلى.
علاقة الدكتور غسان حمود الوطيدة بالرئيس الحريري، جعلته مُمثلاً سياسياً لـ«أبو بهاء»، خلال فترة الغزو الإسرائيلي في حزيران/يونيو 1982، وبعد التحرير في شباط/فبراير 1985.
خاض الدكتور غسان حمود تجربة الانتخابات النيابية في العام 1992، عن أحد المقعدين السنيين في مدينة صيدا ونال 57185 صوتاً، لكن لم يحالفه الحظ.
بعد ذلك، ومع تزايد أعداد المُصابين بالقلب، افتتح الدكتور حمود قسماً مُتخصصاً بجراحة القلب، الذي أصبح واحداً من أبرز الأقسام في لبنان والشرق الأوسط، الذي أراد من خلاله تأكيد أنه يُريد الخدمة الطبية على طريقته.
ثم طوّر المستشفى لعمليات طفل الأنبوب، وصولاً لتحويله إلى «مستشفى أكاديمي جامعي» بتوقيع اتفاق التبادل والتعاون العلمي مع «مركز جورج واشنطن الجامعي» في الولايات المُتحدة الأميركية و»جامعة بيروت العربية».
فضلاً عن مركز تقويم النطق، ومراكز العناية الفائقة والأشعة المُتطورة.
واضطر الدكتور غسان إلى إجراء عمليات لم يكن قد درسها أو مر بمثلها في حياته الدراسية.
مستشفى واكب كل تطوّر، وخرّج أطباء ومُبدعين بما يتجاوز لبنان إلى خارجه، ووزراء ونواب وأصحاب مراكز مرموقة.
استحق الدكتور غسان حمود التكريم في مجالات عدّة وأوسمة مُتعدّدة، وجوائز الجودة العالمية.
الدكتور غسان حمود، الطبيب، صاحب الوجه البشوش، والابتسامة التي لا تُفارق ثغره، والذي زف بشرى الولادة لعشرات الآلاف، مُتواضع وخجول، نموذج للرجل العصامي.
ستبقى الغرسة التي زرعها يانعةً، وسيحفظ التاريخ اسم طبيب عصامي مُبدع حقّق التميّز في مهنة اختارها.
هذا، وقد أعلنت «مستشفى حمود» - مركز طبي جامعي في صيدا، في بيان لها «انتقال كامل أمانتها إلى عائلة عميس، التي قامت بدورها بتعيين الدكتور إبراهيم عميس الاختصاصي في جراحة الدماغ والأعصاب في «الجامعة الأميركية» في بيروت رئيساً لإدارة المستشفى ومديراً عاماً لها».
وأكد الدكتور إبراهيم عميس أن عمله في «المستشفى سيكون استمرارية لعمل سلفه الدكتور غسان حمود الذي دأب مُنذ تأسيس المستشفى عام 1966 على خدمة مدينته صيدا وأهلها الكرام وكافة المناطق المُجاورة من خلال تقديم أفضل الخدمات الطبية تلبية لاحتياجات المُجتمع، والذي نجح في تقديم كافة العلاجات الطبية والجراحية الحديثة بمُستوى عالٍ من الجودة لأهل المدينة ومحيطها في أحلك الظروف التي مر بها لبنان».
وشكر الدكتور غسان حمود والسيدة ديانا حمود والعائلة «جميع أهالي صيدا وفاعليات المدينة وأسرة «مستشفى حمود الجامعي» فرداً فرداً، على تفانيهم وتضحياتهم في سبيل إعلاء شأن المستشفى والحفاظ على دورها الحيوي خلال أحلك الظروف التي مر بها لبنان».
وأكدت الإدارة الجديدة «الاستمرار معاً جنباً إلى جنب مع كافة فاعليات المدينة وكامل الطاقم الطبي والتمريضي والإداري، الذي نكن له كل التقدير والامتنان، لتحقيق مسؤوليتنا الوطنية في تأمين استمرارية هذا الصرح الصحي بما يُمثله من دعامة أساسية تحفظ الأمن الصحي والاجتماعي لأهالي المدينة والمناطق المُجاورة وكل الوطن، سيما في ظل الظروف الاقتصادية والمالية التي تُثقل كاهل القطاع الصحي وتُهدد وجوده».
ونوّهت للجميع بأنها «لن تُوفر جهداً إلا وستبذله في سبيل الحفاظ على هذا الإرث الثمين وتطويره ليرقى إلى أفضل المُستويات، ويبقى ملاذاً صحياً أمناً لكافة الفئات والشرائح الاجتماعية، مهما تعاظمت الأزمات وكبرت التحديات».
د. غسان حمود... مسيرة طبية حافلة بالإنجازات
بيع «مستشفى حمود»- استمرار نزف المؤسّسات الصيداوية!«اللـواء» تروي تفاصيل الصفقة ومسيرة 55 عاماً من عطاء د. غسان حمود