"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
... وفي اليوم الأميركي الموعود، استُقبِلَ مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل بحسّان دياب رئيسًا مكلفًا بـ69 صوتًا، لا نواف سلام كما كان يأمل.
من مفارقات هذا اليوم الطويل، أنّه أظهَرَ حدود السطوة الأميركية على بعضِ الكتل البرلمانية، وأشار، إلى "بوانتاج" الاستشارات مع عودة ظهور الانقسام العمودي بين 8 و14 آذار.
إذًا أرادها فريق 8 آذار - التيّار الوطني الحرّ مواجهة فأضحت كذلك. مقولة "لا لنواف سلام" صُرِفَت أرقامًا مقرّشة في صندوق الاستشارات عبر رقمٍ هزيلٍ بلغَ 13 صوتًا، أرغمت الفريق المحسوب على واشنطن إجراء تراجع تكتيكي فوري بنية عدم كشفِ جميع الأوراق.
بحسب المعلومات، كان الرهان يصبّ على إدخال تعديل على موقف كتلة "المستقبل" تُعطي بموجبه أصواتها لسلام إلى جانب كتلة "الكتائب". يجرّ هذا التعديل إلى آخر على صعيد موقف "اللقاء الديمقراطي" الذي يمنح أصواته لسلام. ما حصل، أنّ "المستقبل" اتخذ قراره بعدم التسمية إلتزامًا بالموقف الذي قطعه للرئيس نبيه بري، فأفقدَ الدائرة توازنها ما دفع بـ"كتلة القوات" إلى عدم تعديل قرارها والمضي قدمًا بخيار عدم التسمية، فسقط نواف سلام بالضربة القاضية.
في الخلاصة، نجَحَ فريق ح- ال- حركة أمل - التيار الوطني الحرّ بانتزاع نقطة من الجيب الأميركي رشحت المواجهة لأن تُخاض على دائرة أوسع خلال الفترة المقبلة.
وعليه، أصبحَ حسّان دياب رئيسًا مكلفًا تشكيل الحكومة لو أنّه أتى منزوعَ الغطاء السُني بفضل تخلّي كتلة "نواب المستقبل" عن دعمه. لعبة الميثاقية اللعينة نفسها تتكَرَّر لكن بنزعة جديدة. يؤلف حسان دياب أم لا يؤلف حديثٌ آخر، والهدف الآن تثبيت مقررات الاستشارات على الأرض، والخشية من يوم غضب سني جديد على غرار نسخة 2011.
بالنسبة إلى فريق 8 آذار - التيار الوطني الحرّ، هو كسبُ نقطة مهمة في المبارزة. التحدي الآن، يكمن في تأمين أجواء مؤاتية تتيح التأليف بظرفٍ لا يتعدّى الأسبوعَيْن من تاريخه. في تقدير مصادره، أنّ الحكومة ستكون "مصغرة تتراوح بين 14 و18 وزيرًا، على قاعدة الاتفاق نفسه الذي ابرمَ مع المرشح السابق سمير الخطيب، أي تكنو - سياسية". أما على الضفة الأخرى، فعودة الرهان إلى الشارعِ لسلبِ النقطة من دياب، وتحويل التأليف إلى تدبير ماراثوني يُغرق المكلف بدوامة الوقت.
ثمة من يدعي، أنّ الفريق المتبني للتكليف يريد من دياب أن يكون جسرًا يؤمن الانتقال من مرحلة إلى مرحلة. في المقابل تردّ مصادر أخرى على هذه المقولة، بأنّ هناك فريقًا "يريد تأمين مخرجٍ للازمة، ودياب خير مُختار".
صحيحٌ أنّ الرئيس المكلف تشكيل الحكومة لم يكن خيارًا صداميًا لعدم تمتعه بجيناتٍ من هذا القبيل، لكنه تكتيك جيّد أراد عبره فريق حزب الله - أمل - التيار قطع الطريق على المحاولة الاميركية الرامية إلى الاستيلاء على إدارة اللعبة الحكومية في لبنان. بهذا المعنى يصبح الخيار مقبولاً ما دام يُعاكس الرغبة الاميركية.
في أسرار ليلة التفاهم على تسمية دياب بين أفرقاء 8 آذار والتيار الوطني الحرّ، اُبلِغَ "الخليلان" في فترة بعد الظهر قرار رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الاعتذار عن قبول تولي التكليف بإدعاء عدم حصوله على الغطاء المسيحي الكافي. لكنهما طالبا إستمهاله لبعضِ الوقت ريثما "يعملان على حلّ المسألة".
في هذا الوقت، نشط حزب الله متلازمًا مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على مسار "إزالة الالتباسات" بين الحريري ورئيس الجمهورية، لكنهما فوجِئا بمضمون بيان إعتذار الحريري.
كان قد سبق ذلك، تكوّن أجواء لدى حزب الله فحوها، أنّ الرئيس الحريري إنصاع إلى الرغبة الاميركية بإخراجه من دائرة الترشيح وقِبِلَ استبداله بالسفير السابق نواف سلام الذي كان قد بدأت ورشة تعويمه لدى الكتل.
فَهِمَ الحزب، أنّ الحريري قد إنقلب مجددًا، وبالتالي أربكَ قراره الدوائر الثلاث المعنية في وقتٍ لم يكن هناك من تصوّرٍ للبديل الذي يفترض أن يواجه خيار نواف سلام. فبدا التعامل مع الموقف على أساس وجوب إيجاد مرشّحٍ بديلٍ.
سريعًا، فَعَّلَ فريق ح-ز
ا - أمل - التيار الوطني الحر الخطة "ب" التي كانت تنصّ على وجوب تأمين مرشحٍ. أخرج الرئيس برّي أرنبه، وفي لائحةٍ مكونةٍ من مجموعة أسماءٍ كان حسان دياب الأكثر قبولاً، علمًا، أنّ رئيس الجمهورية التقاه مرّتَيْن خلال هذا الأسبوع.
ليلاً، توجّه الخليلان والتقيا بدياب، وقدّما له الاقتراح، فكان أن طالبَ بـ"ضماناتٍ" في حال قبوله تكفل بقاء ثلاثي الحزب - أمل - التيار إلى جانبه في المهمة. في المقابل، طلبَ الخليلان تعهدًا من دياب بعدم الانجرار إلى الضغوطات أو إعلان عزوفه بعد التكليف.. الطرفان قالا "نعم" فعُقِدَت التسوية، رغم أن دياب عادَ ونفى الواقعة لاحقاً.
كان الهدف، قطع الطريق على المسعى الأميركي. في المقابل، كانت الخطة الموضوعة، أن يستغلَّ الحريري الخلل لدى الثلاثي، فيلجأ إلى تسمية نواف سلام إنصياعًا للرغبة الاميركية - السعودية، ولو حدث ذلك، لكان قد أدى إلى تعديلٍ في موقف آخرين مثل "القوات". وعليه، لجأ الثلاثي إلى تسريب إسم "دياب" بعد الاتفاق معه على أساسِ معادلة "دياب مقابل سلام" التي تكفل بإحراق الأخير.
عقب الاتفاق، إنتقلَ وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل إلى إبلاغِ الرئيس الحريري بالمضمون. وفي المعلومات، أرادَ الوزير خليل تأمين غطاء سني للمرشح عبر تأمين تسمية من كتلة "المستقبل"، لكن الحريري أجابَ بأنّه "ليس في وارد أن يسميَ أحدًا". لكن الشكوك كانت تراود ظنون الثنائي من إحتمال خروجِ الحريري عن الالتزام الذي قطعه بإتجاه تسمية نواف سلام.
كيف أُحرِقَ نواف سلام؟ عبدالله قمح | ليبانون ديبايت | 2019 - كانون الأول - 20