Maarakeh online logo

m66

33

fss   aass
في مواجهة الإفقار الكارثي في لبنان... كيف نحمي طلّابنا العائدين؟

لبنان | تحقيقات
♦️إنّ الأزمات الأخيرة التي شهدها لبنان منذ ثورة ١٧ تشرين الأول خلقت العديد من الضغوطات والاضطرابات النفسية في المجتمع وعند شريحة الطلاب أيضاً. فقد كانت الثورة سبباً كافياً لظهور «قلق التشرذم» عند الجميع وإنتقاله إلى صفوف أبنائنا الطلاب الذين وجدوا أنفسهم منحازين إلى الشعارات الحزبية المنتمية لطوائف عدة؛ ومنخرطين في نشاطات احتجاجيّة على الأرض أثّرت على دراستهم سلباً. وبعد اضطرابات الثورة كان لجائحة كورونا الدور الأكبر في توليد «القلق النفسي» عند الطلاب العائدين من أحلام التغيير الكبيرة إلى قفص الواقع الضيّق الذي بات يئنّ تحت ثقل الأوضاع الاقتصادية غير المسبوقة التي تعصف باللبنانيين وترمي بهم في مهاوي الفقر الكارثيّ. ومن الطبيعي في هذه الحال أن يلوذ الإنسان بكل ما من شأنه أن يحفظ له صحّته النفسية بحدّها المقبول، بوصفها الحصن الأخير له في الحرب الدائرة عليه. فبحسب هَرم الحاجات الذي قسّمه ابراهام ماسلو، فإنّ القاعدة الأولى والأهم فيه مخصصة للحاجات الأولية (الفيسيولوجية) عند الإنسان، تتلوها الحاجات الأخرى مثل حاجات الأمان والحاجات الاجتماعية وحاجات النجاح والتقدير، أما قمة الهرم فمخصصة للحاجة إلى تحقيق الذات. ويؤكّد ماسلو أن الاتزان النفسي وتحقيق الذات ينطلقان من القاعدة الأولى في الهرم التي ترتكز على تأمين المأكل والملبس والمسكن. لكن ماذا لو تعرّضت هذه الحاجات إلى الندرة وعدم الكفاية في الحصول عليها؟ فجميعنا يعلم اليوم بأنّ معظم العائلات اللبنانية تعاني من وطأة النزول تحت خط الفقر؛ إذ لم تعد قادرة على تأمين الملابس المدرسية لأبنائها والقرطاسية والكتب وحتى الطعام أقلّه وجبة الإفطار أو توفير بعض النقود يومياً ليشتري أبناؤهم ما يحتاجون إليه أسوة برفاقهم.

سنحاول في هذه المقالة أن نحدّد آثار الفقر أو بالأحرى الإفقار نفسياً وصحياً وتربوياً على الطلاب مقترحين بعض الإرشادات التي يمكنها أن تُخفّف من تلك الآثار السلبية وتساعد الطلاب على النمو بصحة نفسية سليمة.

أولاً: الآثار النفسية والصحية والتربوية على الطلاب

- الشعور بالدونية وبأن رفاقهم أفضل منهم خصوصاً الطلاب الذين يستطيعون يومياً شراء ما يريدونه.

- النفور من الأهل وتحميلهم مسؤولية التقصير في تأمين حاجاتهم.

- سلوكيات عدائية داخل المدرسة للفت الانتباه والتعويض عن مشاعر النقص.

- الكذب المرضي.

- الغيرة من رفاقهم ومن الآخرين وتولّد مشاعر حقد تجاه أي أحد وضعه المادي أفضل.

- اضطراب هوس السرقة لامتلاك ما يعجز أهلهم عن تأمينه لهم.

- شرود ذهني واستمرار التفكير في طرق لتأمين حاجاتهم يقابله تراجع ملحوظ في التحصيل الدراسي يؤدي في النهاية إلى التسرب المدرسي وسهولة إستغلالهم في أسوأ أشكال عمل الأطفال (طلاب مرحلة الثانوي خصوصاً).

ثانياً: الإرشادات التي على الأهل إتّباعها لحماية أبنائهم

- الحوار الفعّال مع الأبناء حول الحالة الماديّة الخاصة بالأسرة بحسب الفئة العمرية.

- الامتناع عن إطلاق وعود كاذبة لن يستطيعوا الوفاء بها.

- تعزيز نقاط القوة والصفات الحسنة في شخصية أبنائهم والتشجيع عليها مع تقوية مشاعر الإحساس بالآخر وتعزيز روح المشاركة عندهم.

- تجنّب استخدام عبارات مؤذية ومحبطة مثل: «نحن لا نستطيع تأمين كل ما تطلبه ولن نقدر على ذلك لأننا فقراء». والاستعاضة عنها بـِ«نحن نفهم كم أنت بحاجة لما طلبته وسنسعى لتأمينه ولكن علينا ان ندرس الأسعار أولاً ونجمع المال وهذا يحتاج لبعض الوقت».

- تخصيص وجبة فطور يومية للأبناء حتى لو كانت سندويشا واحدا مع حصة فاكهة واحدة والشرح لهم عما تحتويه من فيتامينات يحتاجها جسمهم. المهم ان تكون الكمية كافية لهم وان يتم تحضيرها بعناية وحب.


- عدم مقارنة أحوال الأسرة المادية بأحوال الأسر الأخرى أمام الأبناء.

- تعزيز القيم الأخلاقية وتعويد الأبناء على الاكتفاء الذاتي.

- تعويد الأبناء على الصبر وتأجيل الحاجات وذلك يمكن ان يكون من خلال روزنامة خاصة بهم وهم عليهم ان يقوموا بوضع إشارة أو علامة X أمام كل يوم ليحين موعد آخر الشهر ويستطيع اهلهم شراء لهم ما يحتاجون اليه.

- مراعاة الأهل للوضع المادّي الخاص بالأسر الأخرى وعدم المبالغة في اختيار أفضل نوعية من القرطاسيّة خصوصاً التي تحمل رسومات كرتونية او ماركات عالميّة.

- منح الأبناء العاطفة اللازمة والحب والدعم النفسي والمعنوي والمساندة.

ثالثاً: دور الادارة المدرسية والكادر التعليمي.

- عدم السماح للطلاب بارتداء ملابس غير الزيّ المدرسي.

- محاولة تأمين وجبة الفطور لمن لا يقدر عليها.

- فتح مجال تبادل الكتب بين الصفوف.

- محاولة تأمين بعض اللوازم المدرسية للطلاب الذين يعجزون عن ذلك.

- التنسيق المستمر بين المرشد الاجتماعي ووزارة الشؤون الإجتماعية فيما يخص وضع أهالي الطلاب الإجتماعي والمادي.

- التنسيق بين المرشد الصحي أو الادارة ووزارة الصحة لتأمين اللقاحات المجانية والفحص السريري المجاني للطلاب المرضى.

- إقامة ندوات توعوية حول أسوأ أشكال عمل الأطفال.

- متابعة المرشد النفسي للطلاب الذين يعانون وأسرهم من الفقر ودعمهم نفسياً. ونثمّن هنا مبادرة وزير التربية الدكتور طارق المجذوب لتأمين قرطاسيّة مجانيّة لكل طُلّاب لبنان. نعلم جيداً تفاوت الطبقات الاجتماعية داخل كل مدرسة، وأنّه من الصعب أن نتحكم بمشكلة مثل مشكلة الفقر وخصوصا في مثل هذه الظروف المتشابكة التي يشعر الجميع بقسوتها، ومع ذلك يمكننا مساعدة أولادنا الطلاب على تخطّي تداعيات هذه الأزمة من خلال تفعيل مشاعر التقبّل والتأقلم لديهم وجعلهم بالتالي ينمون في صحة نفسية وجسدية جيّدة من دون أن يؤثر الإفقار سلباً على أدمغتهم وأجهزتهم العصبية من خلال تزايد مستويات القلق والإجهاد النفسي.
اللواء
سلام محمد الصغير
أخصائيّة نفسية


في مواجهة الإفقار الكارثي في لبنان... كيف نحمي طلّابنا العائدين؟



Maarakeh Online footer logo

© 2018 Maarake Online

Powered by:VAST Logo