Maarakeh online logo

m66

33

fss   aass
تكريماً للذكرى السنوية التاسعة والخمسين لوفاة شاعر الشعب «عمر الزعني»: «البداية» (2) 26 شباط 2020

ثقافة
اللواء
،،،،،،

وُلِدَ عمر الزّعنِّي في بيروت سنة 1895(1)، وتوفي فيها ودُفِنَ في ثراها، سنة 1961(2). تسنَّى للزّعِنِّي أن يُحصِّل ثقافة متنوِّعة من ثقافات زمانه؛ إذ درس في «الكليَّة العُثمانيَّةِ»، (الإسلاميَّة، لاحقاً)، في بيروت، بإشراف مؤسِّسها الشَّيخ أحمد عبَّاس الأزْهَريِّ وإدارة ناظرها العام الدكتور بَشير القَصَّار(3)؛ وكان من رفاق دراسته فيها، ثُلَّةٌ من الشَّباب الذين أصبحوا، لاحقاً، من شهداء لبنان، هم عبد الغَني العْرَيِّسي وعُمَر حَمَد ومُحمَّد ومَحْمود المَحْمَصاني، وقد أمر جمال باشا بإعدامهم شنقاً سنة 1916(4). وتسنَّى لعمر الزعني، بعد أن أنهى دراسته في الكليَّة العثمانيَّة، أن يتخرَّج، خلال الحرب العالميَّة الأولى، في «المدرسة العسكرية العثمانيَّة» في حمص، برتبة ضابط إداريٍّ؛ فكان أن عُيّن في مقرُّ خدمته العسكريَّة، خلال السَّنوات الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، في مدينة «بئر سبع» في فلسطين؛ مسؤولاً عن تنظيم الإعاشَةِ العَسْكَرِيَّةِ للجُند(5). وفضلاً عن كلِّ هذا، التحق عمر الزعني، فور انتهاءِ الحرب العالميَّة الأولى، بكليَّة الحقوق بالجامعة اليسوعيَّة في بيروت، لدراسة القانون، ووصل في دراسته هذه إلى السَّنة الأخيرة؛ وكان من رفاقه في هذه الدراسة الرَّئيسان (لاحقاً) كميل شمعون وعبد الله اليافي(6).

عمل الزِّعنِّي، خلال هذه المرحلة، مساعداً قضائيَّاً في وزارة العدل في لبنان؛ كما نشط في الحقل التَّعليمي، إذ كان أستاذاً للُّغة الفرنسيَّة في «الكليَّة الإسلاميَّة» «العثمانيَّة» سابقاً، لمؤسِّسها الشَّيخ أحمد عبَّاس الأزهري(7)، وفي «المدرسة الأهليَّة»، لمؤسستها السيِّدة ماري كسَّاب(8)؛ وكانتا تعتبران من أشهر المؤسَّسات التَّعليميَّة في بيروت، على اختلاف ما بينهما من رؤىً تعليميَّة وسياسيَّة؛ وفي هذا ما قد يُشير إلى مقدرة لعمر الزِّعنِّي في تقبُّل الآخر والمختلف الوطنيَّان والتَّعاون الإيجابي معهما؛ خدمة للوطن وتربية للنَّشء وحُسنِ تعليمه.

نشط عمر الزِّعنِّي ضمن المجموعة التي أسَّست «جمعيَّة الكشاف المسلم» في لبنان، وما لبث أن صار عضوا فاعلاً بامتياز بين أعضائها؛ وأصبح، لاحقاً، من أبرز قادتها وأعضاء مجلس عمدتها؛ كما ساهم في تحرير «مجلة الكشَّاف»، التي كانت تصدر عن هذه الجمعيَّة بدءاً من سنة 1927(9) وكان لعمر الزِّعني أن يلتقي، عبر الحركة الكشفيَّة، بنخبة أخرى من مثقَّفي الوطن، منهم الصَّحافي والسِّياسي الأستاذ محيي الدِّين النُّصولي والأديب والنَّاقد الأستاذ عمر فاخوري والأديب المسرحي رائف فاخوري، فضلاً عن آخرين من أهل التِّجارة وناس الشَّأن العام في ذلك الزَّمن، من أمثال أحمد أياس وحسين العويني وصلاح بيهم ومحمد عمر منيمنة.

انشغل الزعني، إضافة إلى كل هذا، بنشاط أدبيٍّ ومسرحيٍّ؛ إذ شارك، بدءاً من سنة 1920، في تمثيل مسرحيَّة «جابر عثرات الكرام»، التي وضعها الشَّيخ رائف فاخوري(10)، وجرى تقديمها من على «مسرح الكريستال» في بيروت. كانت مشاركة الزعني في هذه المسرحيَّة بتأديته لشخصيَّة شاعر اسمه «حُنَيْن»؛ كما كان يقدِّم، خلال محطَّات الاستراحة بين فصول المسرحيَّة، وعلى عادة التقديم المسرحي في تلك المرحلة، «وصلةً» مغنّاة من الإنشاد الانتقادي الوطني. ولمَّا كان الزعني، وقتذاك، موظَّفاً حكوميَّاً برتبة مساعد قضائي، فقد كان ممنوعاً عليه، إدارِيَّاً، الظهور المسرحي والغناء؛ ولذا فإنَّه اتَّخذ لنفسه اسماً فنِيَّاً يُعرف به؛ ولعلَّه استوحى هذا من اسم الشخصيَّة التي كان يؤدِّيها في مسرحيَّة «جابر عثرات الكرام»؛ فاشتُهِر، ولسنين عديدة بعد ذلك، باسم «الأستاذ حُنين»(11).

أَنْشَدَ الزعني، خلال أحد استراحات فصول مسرحيَّة «جابر عثرات الكرام»، قصيدة مطلعها «الدُّنيا قايمة والشَّعب غافل»؛ وهي عبارة عن مونولوج، مستوحىً من لحن «طقطوقة» «مليحة قوي القِلل(12) القِناوي» الشَّهيرة في حينه للشَّيخ سيِد درويش، أشار فيها الزّعنِّي إلى تضييع النَّاس طريق النِّضال الوطني طلباً للحريَّة، متلهِّين بالبحث في موضوع سفور المرأة وحجابها:

الدُّنيا قايمة والشَّعب غافل

راحت بلادكم ما حَدِّ سائل

الحق عليكم ولَّا عامين؟!

شوفوا البلايا شوفوا الرَّزايا

والشَّعب قايم على الملاية

نسيوا الحماية نسيوا الوصاية

ما حدِّ فاهم إيه الحكاية

والطَّاسة ضايعة يا مصلحين!

عيونكم نايمه يا رجال غليظه

والدَّم فاير زي الكازوزة

قمتوا عا حيلكم على العنطوزة

وهمتكم رخوة زي البالوظة

بتبيعوا الأوطان بسلِّة تين

هذا الاختيار، بما يقوم عليهِ من رؤية وطنيَّة انتقاديَّة ضمن مباشرةٍ تعبيريَّة وعبر بِناءٍ لحنيٍّ شعبيٍّ، كان فاتحة أحداثٍ غيَّرت من مجرى حيَّاة عمر الزعني؛إذ كان أوَّل أعمال الزِّعنِّي التي لاقت انتشاراً واسعاً بين الجماهير، وبنى الزّعنِّي على أساسه هويَّته الأدبيَّة والفنِيَّة في مجال الإنشاد الانتقادي.



هوامش:

1 - نهضت بيروت، في هذه المرحلة، ولاية عثمانيَّة قائمة بذاتها، يدير شؤونها والٍ تُعَيِّنه الآستانة؛ فاكتسبت بذلك ثقلاً سياسيَّاً واقتصاديَّاً في المنطقة لفت إليها أنظار الدُّول الأوروبيَّة؛ وصارت بيروت، تالياً، محطَّاً أساساً للقناصل الأوروبيين ولتنافسهم خدمة للمصالح الأوروربيَّة، إذ كان لكثير منهم أن يستخدم بيروت ممراً إلى كثير من مقدرات الدَّولة العثمانيَّة.

يُنْظَر في هذا الشَّأن:

- فيليب حتِّي، لبنان في التَّاريخ، ترجمة أنيس فريحة، دار الثقافة، بيروت، 1959، ص. 524.

- داود وإبراهيم كنعان، بيروت في التَّاريخ، لا.ن.، 1963، ص. 97-99.

2 - ظهرت بيروت، في هذه المرحلة، عاصمة للجمهوريَّة اللبنانيَّة؛ وشكَّلت مركز استقطاب تجاري واقتصادي وسياحي وثقافي وسياسي على المستويين العربي والعالمي.

يُنظَر في هذا الشَّأن:


- حليم بركات، المدينة الملوَّنة، دار السَّاقي، بيروت، 2006.

- كمال ديب، الثَّقافة والهويَّة من جبران إلى فيروز، دار النَّهار للنَّشر، بيروت، 2010.

- رهيف فاضل، من العمارة إلى المدينة، دار الفارابي، بيروت، 2010.

- ميشال عاصي، من أيَّام الضَّوء والظَّلام، دار النَّهار للطباعة والنَّشر والتَّوزيع، بيروت، 1994.

3 - يُنظر:

- سمير الزعني، عمر الزعني الثائر، دار الفارابي، بيروت، 2010.

- خير الدين الزركلي، الأعلام، الجزء الثاني، دار العلم للملايين، بيروت، 2002، ص. 57.

- وجيه فانوس، عمر الزعنِّي وشعره، رسالة لنيل شهادة الكفاءة، كلية التربية، الجامعة اللبنانية، 1973.

4 - يُنْظَر:

- عمر فاخوري، الباب المرصود، دار الثقافة، بيروت، لا.ت.، ص. 62.

- سميح الزَّين، قصَّة شهداء الوطن-6 أيَّار، لا.ن. 1996.

- عبد الكريم الحسني، القوميَّة والديمقراطيَّة والثَّورة، شمس للنَّشر والإعلام، لا.ت. ص. 152.

5 - مقابلات عديدة تسنَّى لي إجراؤها شخصيَّاً، خلال سنة 1972، مع أسرة الزعني وعائلته وبعض زملائه وأصدقائه؛ ومنهم:

- شقيقه المرحوم سعد الدين

- زوجه المرحومة السيدة بهية ضيا الحمزاوي.

- صديقه معالي الوزير المرحوم عبد الله المشنوق.

- صديقه الشاعر المرحوم صلاح الدين لبابيدي.

- صديقه المرحوم داوود بيزنطيان.

6 - مقابلة شخصيَّة أجريتها مع صديق الزعني وشريكه في مكتب المحاماة الشاعر الراحل الأستاذ «صلاح الدين اللبابيدي»، في منزله في منطقة المنارة من مدينة بيروت، في 16/2/1973؛ ومقابلة شخصيَّة أجريتها مع معالي الوزير المرحوم «عبد الله المشنوق»، في مكتبه، في إدارة جريدة «بيروت المساء»، في شارع بشارة الخوري، في بيروت يوم 20/2/1973.

7 - بدأ الشيخ «أحمد عبَّاس الأزهري» تأسيس «الكليَّة العُثمانيَّة» (الإسلاميَّةِ لاحِقاً)، سنة 1895، وهي سنة ولادة «عمر الزّعنّي»؛ الذي التحق بهذه الكلية تلميذا وتخرّج فيها حاملاً ما يعرف بشهادة «العالميَّة»؛ ثمَّ تسنَّى له، في مطلع عشرينات القرن العشرين – بُعَيْد انتهاء الحرب العالميَّة الأولى، أن يعمل في هذه المؤسَّسة التَّعليميَّة ناظراً إداريّاً ومدرِّساً للُّغة الفرنسيَّة.

8 - بدأت السيدة «ماري كسَّاب» تأسيس «المدرسة الأهليَّة» انطلاقاً من سنة 1916؛ وكان لعمر الزّعني أن يكون في عداد أساتذتها مع مطلع عشرينات القرن العشرين.

9 - انطلقت هذه الجمعيَّة في 30 أيلول سنة 1920، بتوجيه من فضيلة الشيخ «توفيق الهِبري»، وبهمَّة نخبة من شباب بيروت منهم «سعيد وعبد الله دبُّوس» و«عبد الرحمن ومحي الدِّين قرنفل» و«عمر الأُنسي»، وبدعمٍ ماليٍّ مباشِر من السيِّد «سعد الله العيتاني»؛ وصدر التَّرخيص الرَّسمي لها من الدَّولة اللُّبنانيَّة بموجب «علم وخبر» في 29 حزيران/ يوليو 1921.

- راجع: جمعية الكشاف المسلم في لبنان: مائة عام في خدمة الناشئة: مع صور ووثائق نادرة، بيروت، 2010.

10 - «رائف فاخوري»؛ قصصي، من أهل بيروت. انتُخِب 1943-1949عضواً في مجلس أمناء «جمعيَّة المقاصد الخيريَّة الإسلاميَّة في بيروت»، وتولَّى مهام «أمانة سِر» هذا المجلس؛ وتوفي مطلع سنة 1954. له عدَّة مسرحيَّات منها مسرحية «جابر عثرات الكرام» ومسرحيَّة «الرِّيال الزَّائف».

11- يُنظرَ: محمَّد كريِّم، المسرح اللبناني في نصف قرن 1900-1950، دار المقاصد للطباعة والتأليف والنشر، بيروت، 2000.

12 - «قِلَل»، جمع «قِلَّة» بالمحكيَّة المصريَّة، وهي إناء فخاريِّ يوضع فيه الماء قصد تبريده وشربه.

رئيس المركز الثَّقافي الإسلامي


تكريماً للذكرى السنوية التاسعة والخمسين لوفاة شاعر الشعب «عمر الزعني»: «البداية» (2) 26 شباط 2020

تكريماً للذكرى السنوية التاسعة والخمسين لوفاة شاعر الشعب «عمر الزعني»: «البداية» (2) 26 شباط 2020



Maarakeh Online footer logo

© 2018 Maarake Online

Powered by:VAST Logo