جريدة الأخبار
الانعطافة الإماراتية بعيون إيرانية
عالم تقرير محمد خواجوئي الإثنين 19 آب 2019
تتفاوت التفسيرات في طهران للانعطافة المتبدّية في سياسة أبو ظبي الخارجية. وبين مركّز على أن التحوّل المهم هو التحوّل السعودي إن حصل، وآخر حَذِر يعدّ مستجدّ الموقف الإماراتي مناورة تكتيكية يحتاج تأكيد الجدّية من ورائها إلى خطوات أكبر، ثمّة من هم أكثر تشاؤماً بين الإيرانيين بوضع الخطوة في إطار الخديعة لا أكثر
طهران | خرجت في الأيام الأخيرة مواقف عديدة من «التحوّل المفاجئ» للسياسة الخارجية الإماراتية تجاه إيران. خلال الفترة الماضية، لم تُخفِ إيران انزعاجها من سياسة الإمارات، إذ وضع وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، بجانب محمد بن سلمان وجون بولتون وبنيامين نتنياهو، بوصفهم «فريق الباءات الأربع»، أعداء طهران الذين يقرعون طبول الحرب.
مقالات مرتبطة
طهران تجدّد مبادرتها الخليجية... من الكويت الأخبار
فرضية تغيّر السياسة الإماراتية لا تستند إلى زيارة وفد عسكري إماراتي لطهران، فحسب. أهم مؤشرات البدء في اعتماد هذا التغیر ظهر عندما تعرضت أربع ناقلات نفط بالقرب من ميناء الفجيرة الإماراتي لأضرار، فحتى بعدما حمّلت واشنطن، طهران، المسؤولية، كان الموقف الإماراتي يشدّد على أن ثمة حاجة للمزيد من البراهين لاتهام إيران. بعد فترة وجيزة، وبالتزامن مع تصاعد التوتر، أعلنت الإمارات في خطوة مفاجئة أنها ستسحب قسماً كبيراً من قواتها من اليمن. وظهر المزيد من الإشارات على الاستدارة الإماراتية في الأيام الأخيرة من شهر تموز، إذ أعلن شهاب قرباني، الأمين العام لنقابة الصيرفة في إيران، أن مصرفين إماراتيين أبديا استعدادهما لاستئناف التحويلات المالية إلى إيران. وبحسب قرباني، فإن محادثات في هذا الشأن، لم تتضح معالمها بعد، لا تزال مستمرة. وفي نهاية المطاف، إن الصورة التي ضمّت قاسم رضائي، قائد حرس الحدود الإيراني، ومحمد علي مصباح الأحبابي، قائد قوات خفر السواحل الإماراتي، ضمن لقاء جمعهما يوم 30 تموز، جعلت أكثر المحللين تشاؤماً يتوقّف أمام نبأ زيارة وفد إماراتي من 7 أشخاص لطهران.
بيد أن الدافع الإماراتي الأخير للاستدارة نحو طهران، قوبل بوجهات نظر ورؤى متباينة من جانب المراقبين السياسيين ووسائل الإعلام الإيرانية. ومع وضع مؤشرات تغيّر سياسة الإمارات وأدلّتها بعضها إلى جانب بعض، يمكن التوصل إلى تفسيرين، أحدهما تفسير الحد الأقصى والآخر تفسير الحد الأدنى. ويشير تفسير الحد الأقصى، الأكثر تفاؤلاً، إلى تغيّر في موقف أبو ظبي وتقاربها مع طهران. ويرى خبراء، ضمن هذا التفسير، أن الإمارات، بناءً على الأدلة التي وردت آنفاً، قد استدارت في سياستها في الحقبة الحالية نحو إيران. لكن في تفسير الحد الأدنى، يحاجج محللون بأن الإجراء الإماراتي لا يعدّ مؤشراً على تغيّر الموقف، بل يندرج في سياق خفض التصعيد والتوتر في المنطقة، ويهدف إلى حفظ استقرار هذا البلد وأمنه فحسب.
ترحيب مشوب بالحذر
يبدو أن طهران تنتظر خطوات أكبر تؤكد جدية الإمارات في مسار خفض التصعيد. في هذا الإطار، يقول علي أصغر خاجي، كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، في حوار مع صحيفة «إيران» الحكومية: «إننا لا نريد البقاء في الماضي. ونرى أن التسوية السياسية للأزمة اليمنية وإصلاح التوجه الإماراتي إزاء ايران، سيؤثران إيجاباً حتماً في تسوية باقي الموضوعات الإقليمية. وإن كانت الإمارات جادة في متابعة هذا المسار، وتخفض الاشتباكات العسكرية في اليمن، وتتحرك باتجاه المساعدة على إيجاد تسوية سياسية للأزمة اليمنية، فإننا سنرحب بذلك».
من جهة أخرى، يرى نصرت الله تاجيك، سفير إيران الأسبق لدى الأردن، أن زيارة وفد إماراتي لإيران مؤشر على «ذوبان الجليد» في العلاقات. وكتب في مقال في صحيفة «عالم الاقتصاد» أن «يأس الإمارات من وضعها جميع بيضها في سلة دونالد ترامب، أو حتى يأس أبو ظبي من الرياض في ما يخص قضية المنطقة وإيران، أسهم في حصول هذه الاستدارة أو المرونة. إن إسقاط الطائرة الأميركية بلا طيار، وقضايا ناقلات النفط وتطورات الخليج الفارسي بصفة عامة، شكلت أسباباً مؤثرة لتغيير الإمارات موقفها». ورأى في المشاكل التي جلبتها حرب اليمن للإمارات، وكذلك القلق من هرب رأس المال وتضرر الاقتصاد الإماراتي، أسباباً أخرى لهذا التغيّر. وأضاف: «هجرة الرساميل الإيرانية من الإمارات أو الإيرانيين الذين كانوا يرغبون في الاستثمار في الإمارات إلى سائر البلدان، بما فيها سلطنة عمان وتركيا وأرمينيا، دفع أبو ظبي إلى التعقّل إلى حدّ ما، والعدول إلى حدّ ما عن المسار المتسم بالعنف قبالة إيران». وتابع قائلاً إن «عاملاً مهماً آخر له طابع اقتصادي يتمثل بإقامة إكسبو 2020 في دبي، والإمارات، ودبي على وجه التحديد، حريصة على ألا تلقي العلاقات السائدة في الخليج الفارسي، خاصة العلاقات مع إيران، بظلالها على هذا المعرض الدولي».
تغيّر تكتيكي لا استراتيجي
يذهب البعض إلى أن التحول في السياسات الإماراتية لا يجب اعتباره جذرياً واستراتيجياً، بل يتسم بطابع تكتيكي في الأغلب. ويقول المحلل السياسي الإيراني، رحمان قهرمان بور، في مقال، إن التطورات الأخيرة في توجه الإمارات «لا تعني إرساء تحالف استراتيجي مع طهران أو تشكيل جبهة مع إيران ضد السعودية، بل إن هذا التبدل في الموقف في المرحلة الحالية اعتُمد لإزالة التهديدات ضد الإمارات في الخليج الفارسي، لأن الإمارات تواجه قيوداً على دخولها في تحالف استراتيجي مع إيران، بما فيها تقارب الإمارات مع السعودية والتحالفات الإقليمية لأبو ظبي والرياض». ويضيف أن الإمارات «نسّقت سياساتها دائماً مع السعودية على مدى العقدين أو الثلاثة الماضية، وإن أرادت اليوم أن تغرّد خارج السرب بغتة، وتضع على جدول أعمالها سياسات مستقلة تجاه إيران، فإنها ستمرّ بتحديات ليس مع العربية السعودية حليفها القديم فحسب، بل مع الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني. وفي ظل ظروف كهذه، إن الخيار الوحيد الباقي أمام الإمارات هو الانضمام إلى جبهة قطر وإيران، ويبدو مستبعداً أن تكون أبو ظبي قد اتخذت قراراً كهذا».
فرضية تغيّر السياسة الإماراتية لا تستند إلى زيارة وفد عسكري إماراتي لطهران فحسب
ويتابع بأن موقف طهران من تحركات أبو ظبي «يكتسي أهمية من جهة أخرى، لأن إيران يجب أن تعتبر، في تحركاتها الإقليمية، السعودية، أهم قوة عربية في المنطقة. لذلك، يجب القول إنه إن تقرّر أن تغيّر إيران من سياساتها على الأمد الطويل، فإن الأخذ بالاعتبار توجهات السعودية ومصالحها يكتسي أهمية أكبر مقارنة بالإمارات، لأن الإمارات - مقارنةً بالسعودية - ليست لاعباً مهماً، وحتى إن أرادت إيران بصورة تكتيكية الدخول في صفقة مع الإمارات، فإن توجهاتها تظلّ معطوفة تجاه السعودية، وليس بمعنى مواكبة إيران للاستراتيجية الإماراتية على الأمد الطويل. وبناءً على ذلك، يمكن القول إن التطورات الأخيرة بين إيران والإمارات ناتجة على الأرجح من تغيّر موقف تكتيكي من قبل البلدين لحماية مصالحهما».
نظرة متشائمة
لا تحمل بعض وسائل الإعلام والمحللين المحسوبين على التيار الناقد للحكومة الوسطية في طهران نظرة متفائلة تجاه التحول الإماراتي الجديد إزاء إيران، إذ يعدّونه ضرباً من الخداع. يقول سعد الله زارعي، رئيس مؤسسة «أنديشه سازان نور» (صنّاع الفكر) القريبة من الحرس الثوري، في حوار مع صحيفة «الصباح الجديد»، إن الإماراتيين «ومن أجل الاستيلاء على جنوب اليمن، مارسوا خدعة تمثلت بزيارة إيران والحديث عن بعض الموضوعات الساحلية. وبالرغم من أن إيران نظرت إلى هذه القضية نظرةً متفائلة، لكن الإمارات كانت بصدد تدبير مؤامرة خفية. فيما ظن أنصار الله مع زيارة الإماراتيين لإيران أن طهران قد أعطت الضوء الأخضر للإمارات، بينما الأمر لم يكن كذلك، إذ إن أبو ظبي حاولت تهدئة طهران بمكر وإعطاء إشارات خاطئة لأنصار الله». ويرى أن هذه الاستدارة «لا توجد في الحقيقة مؤشرات وإشارات دقيقة ومقنعة بشأنها، وأتصور أن الإماراتيين جاؤوا لمجرد الخروج من الضغط المباشر الذي يتعرضون له وأثاروا بصورة تلويحية وغير عملية مسألة خفض تدخلاتهم في اليمن، فيما شهدنا خلال هذه الأيام المزيد من التدخل الإماراتي في جنوب اليمن وحتى محاولات الإمارات لانفصال الجنوب اليمني».
وكتبت صحيفة «رسالت» الأصولية أنه «إن تصوّرنا أدنى تصور أن تغيّر سلوك مشيخات المنطقة تجاه إيران فعل تشوقي من جانبهم، فإننا سنقع في خطأ فادح! إن هذا التغيّر في السلوك نوع من ردّ الفعل القسري تجاه التطورات التي تطرأ في المنطقة والنظام الدولي، التطورات التي ليست موضع ترحيب السعودية وحلفائها». ولمّحت الصحيفة إلى ضرورة عدم الانخداع بالاستنجاد ونداء «دخيلك يا إيران»، مضيفة أن أي رد فعل إيراني «تجاه إحباط السياسات الإقليمية للإمارات والسعودية وفشلها، يجب أن يكون مبنياً على الرصد الذكي ورسم جميع الاحتمالات».
لا يحمل بعض وسائل الإعلام والمحلّلين المحسوبين على الأصوليين نظرة متفائلة تجاه التحول الإماراتي (أ ف ب )