مقالات خاصة
رغم الاعتراضات والشكوك من جانب الاطراف السياسية المعارضة لتشكيل الحكومة والحراك الشعبي او بعض مكوناته الشعبية والمدنية على طبيعة الحكومة الجديدة وما رافق التأليف من «شد حبال» بين القوى المعنية وصولاً الى توزيع الحصص الوزارية بخلاف ما تستدعيه الاوضاع الاستثنائية وحال الانهيار والتجارب مع حكومات المحاصصة، فالانظار تبقى معلقة على مسار عمل الحكومة بعد نيلها ثقة مجلس النواب - في حال عدم حصول اي مفاجأة في انعقاد الجلسة او التصويت للثقة - وما يمكن ان تنجزه الحكومة في الاشهر القليلة المقبلة من اجراءات وخطوات تحّد من الانهيار ماليا ونقدياً وحياتياً.
ولذلك، فالواقع المأزوم بكل تجلياته وعناوينه الشعبية والسياسية والمالية النقدية والاجتماعية والاقتصادية، يحمل الحكومة ووزراؤها والاطراف السياسية التي ارتضت حصر التأليف بفريق 8 آذار والتيار الوطني الحر وان تكون من «لون واحد»، مسؤوليات واعباء اكبر بكثير مما لو كانت حكومة متفق عليها بين كل القوى وتحظى برضى الحراك الشعبي وبعيدة عن المحاصصة، رغم وجود كفاءات واختصاصيين فيها، كما أن حكومة تحظى بغطاء الاطراف الثلاث، وكان بامكانها ـ وفق مصدر سياسي معارض ـ ان لا يكون هناك حذر دولي وخليجي عليها، ولو أن بعض المواقف الدولية التي صدرت تعليقاً على تشكيل الحكومة فيها كثير من الضبابية.
فحجم الانهيار الذي وصلت اليه البلاد، ومعه حجم وشمولية الازمات بدءا من الوضعين المالي والنقدي، كان يفترض بالقوى السياسية التي تعاطت بتشكيل الحكومة على قاعدة توزيع الحصص ان تكون اكثر واقعية ومسؤولية مع موجبات الخروج من الانهيار، بحيث تكون حكومة غير محسوبة سياسياً على اطرافها، عبر الابتعاد عن المحاصصة بما يرضي الحراك الشعبي وما امكن من اطراف سياسية من الذين اعترضوا على تسمية رئىس الحكومة حسان دياب، فيما الاطراف المعترضة على الحكومة من الرئىس الحريري بالدرجة الاولى الى القوات اللبنانية والحزب الاشتراكي أوصلوا الواقع السياسي الى الحائط المسدود، ما ادى الى انتاج حكومة اللون الواحد بكل سلبياتها وايجابياتها.
لذلك، فالسؤال اليوم بعد كل ما حصل على المستوى السياسي والذي انتج الحكومة الحالية، ماذا بعد ولادة الحكومة، وهل في استطاعتها منع التمادي في الانهيار بالدرجة الاولى، ومن ثم اطلاق ما يمكن اطلاقه من خطوات لانقاذ البلاد مما وصلت اليه؟
لا أحد، ينكر يقول السياسي المذكور أن عملية الانقاذ لن تحصل «بكبسة زر» ولا في اسابيع او أشهر، نظراً للانهيار الذي لم يستثن اي مرفق او شأن عام وخاص، وفي الدرجة الاولى الافلاس الذي وصلت اليه المالية العامة، في مقابل شبه استحالة لتأمين جزء من المبالغ المالية التي تحتاج الحكومة لمعالجة بعض الاستحقاقات المالية النقدية والحياتية والتي تصل الى حدود خمسة مليارات من الدولارات، فيما اطلاق عملية انقاذ شاملة تحتاج الى حدود 25 مليار دولار، لكن أمام الحكومة فرصة لالتقاط الانفاس والبناء على ادائها وتوجهاتها تمهيداً لما هو مفروض من خطوات انقاذية بحيث يحدد السياسي المعارض أهم الاجراءات التي عليها الاسراع في التعبير عنها، والبدء بتنفيذها وفق الاتي:
1- أن تعمّد الشفافية في كل ادائها وعملها بعيداً عن كل اشكال السلبية او تصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين، بأي نوع من الانواع، وبالدرجة الاولى اذا كان لديها جدية بمحاربة الفساد والفاسدين، لان الذين استفادوا من المال العام ومن التنفيعات والصفقات وكل انواع الهدر للمال العام ينتمون الى كل الطوائف والقوى السياسية والمتنفذين والمحظيين، رغم اختلاف المسؤولية بين فريق وآخر.
2- أن يكون المهمة الاولى، استعادة ثقة المواطن اللبناني ولو تدريجياً، ليس فقط اللبنانيين الذين عبروا ويعبرون عن فقدان ثقتهم بالطبقة السياسية في الشارع، بل الى كل اللبنانيين الذين التزموا بيوتهم، وبينهم اكثرية مناصري الاطراف التي شاركت في الحكومة.
3- ان تعمل بكل جهد ممكن لكي لا يحصل حصار دولي عليها وعلى لبنان - ضمن الثوابت الوطنية - بل ان تسعى لتشجيع الدول الصديقة لمساعدة لبنان، وهو ما يفترض قبل اي شيء آخر، محاربة الفساد والهدر واطلاق الاصلاح الجذري للدولة وسياساتها ومؤسساتها، بحيث تكون قادرة على عدم استثناء أي موقع او مسؤول أو مؤسسة تدور حولها الشبهات بهدر المال العام، وما الى ذلك، وهو الامر الذي عبّر عنه الاتحاد الاوروبي والمسؤولين الفرنسيين وغيرهم.
4- وضع اليات سريعة وتنفيذية لتحسين واردات الخزينة، حيث بالامكان كما يقول السياسي المعني - تحصيل مبالغ ضخمة من اعادة النظر بجملة واسعة من القوانين التي اقرت في السابق، او سياسة التنفيعات في وضع «اليد على املاك الدولة»، البحرية والبرية والنهرية والكسارات وعشرات المخالفات المماثلة، واعادة النظر بكثير من الصفقات، وبنود مشروع الموازنة، ويشير السياسي المعارض في هذا السياق الى مجموعة واسعة من الاجراءات السريعة الممكنة كالاتي:
- اولاً: ان معظم المخالفات بكل انواعها، تعود بكبار الاثرياء واصحاب الودائع الكبيرة في لبنان والخارج، حيث هناك بحدود 30 الف حساب في البنوك تبلغ قيمتها 53 مليار دولار من اصل 83 مليار دولار لمليوني مودع وبين هؤلاء حساب لاثرياء كبار تصل مبالغهم الى عشرة مليارات دولار، وبالتالي على الحكومة المسارعة الى تحصيل كل ما هو لصالح الخزينة من ضرائب عن كل ما استعادوا منه من التنفيعات والاحتيال على القوانين.
ثانياً: ان يتم في وقت سريع تبيان الوقائع حول الاموال التي هربت للخارج وبخاصة الاموال التي حولها علامات استفهام من حيث الطرق التي تمكن اصحابها من الحصول عليها، وهو ما يفترض ان تسارع لجنة الرقابة في مصرف لبنان لوضع لوائحها بها ورفعها للمدعي العام التمييزي، لكي يطلب استعادة الاموال المشبوهة، وهي مبالغ ليست بسيطة، بل تقدر بمئات ملايين الدولارات.
- ثالثا: اعادة النظر بجملة واسعة من الانفاقات في الموازنة، سواء ما يتعلق بالتنفيعات لجمعيات من «هب ودب» رغم التخفيضات التي اقرتها لجنة المال والموازنة في المشروع المحال على الجلسة العامة، وكذلك ما يتعلق بانفاقات اخرى بمئات مليارات الليرات، بينها الرواتب الخيالية لعدد كبير منها لموظفين كبار في اكثر من مؤسسة تعود للدولة، على الغاء او خفض التعويضات للنواب السابقين ونهاية الخدمة لفئات واسعة من كبار الموظفين والعاملين في الدولة في القطاعات المدنية والعسكرية.
- رابعاً: اعادة النظر بمردود وفوائد عشرات المؤسسات وحتى الوزارات، خصوصاً ان كثير منها هو نوع من المحميات للطوائف والقوى السياسية، بينما لا مردود لها على الدولة واللبنانيين، سوى الانفاق غير الضروري، وتحقيق هذا الاخر يمكن ان يتم في اشهر قليلة في حال كان هناك جدية في الاصلاح واخرجت المصالح السياسية والمذهبية من تنفيذ الخطوات المطلوبة.
- خامساً: المسارعة الى جدولة الدين العام والفوائد عليه، فهذا الاجراء يخفف اعباء كبيرة، على الدولة، وما ينفق سنوياً يصل الى 40 بالمئة من ارقام الموازنة للفوائد، الى جانب عشرات الاجراءات الاخرى على المستويات المالية والنقدية، خاصة المتصلة بالدين العام وتشجيع المغتربين على اعادة ضخ كميات معقولة من السيولة الى لبنان، وكذلك ما يتصل بتشجيع الاستثمارات في كل المستويات بما في ذلك على مستوى اصلاح بعض القطاعات التي تراكم ديونها كبيرة على الدولة مثل الكهرباء او استيراد المحروقات.
- سادساً: التوجيه نحو المجتمع الدولي والدول الصديقة والشقيقة لمساعدة لبنان، ويأتي في اولوية هذا التوجه فتح مسار التنسيق الحكومية مع الدولة السورية، بما يتيح وضع خطة ومقاربة مشتركة لاعادة النازحين واستعادة لبنان من حزمة واسعة من المسائل عندما يكون هناك تواصل وتنسيق، ومنها فتح الحدود السورية نحو السوق العربية.
ولذلك، يقول السياسي المذكور، انه رغم أهمية السعي لحصول لبنان على مساعدات من الخارج، رغم ان ذلك لن يحصل سريعاً في الحد الادنى لارتباط هذه المسألة بالاصلاحات الشاملة ورفع الادارة الاميركية «الفيتو» عن مساعدة لبنان - لكن الرهان على الحلول والمخارج السريعة واللاحقة يبقى رهانا داخلياً، خصوصاً ان هناك مئات الأبواب في استطاعة الحكومة اللجوء اليها لمنع تفاقم الامور نحو الافلاس الكامل، والبدء باطلاق خطة الانقاذ الشاملة وفي مقدمها تحصيل مما هو ضائع من ضرائب لصالح الخزينة بدءاً من إرغام واضعي اليد على املاك الدولة بصورة غير شرعية أو غير التنفيعات والتحايل على القانون، خصوصاً ان النسبة الأكبر من هؤلاء هم من اصحاب الثروات الكبيرة، دون ان يغير ذلك من الوضعية غير القانونية للذين استولوا على الاملاك العامة والخاصة.
الديار
خمسة آلاف مُودع يملكون 53 مليار دولار... ومُعظمهم خالف القوانين بجمع ثرواته؟ حسن سلامه 26 كانون الثاني 2020