مانشيت
ما هي أسرار واشــنـطـن الـــتــي أبلـــغتها للحريـــــري؟
18 آب 2019
«الديار» ـ واشنطن
يواصل رئيس الحكومة سعد الحريري زيارة رسمية الى واشنطن، وقد التقى مساعد وزير الخزانة مارشال بيلينغسلي ووزير الخارجية مايك بومبيو وربما قد يلتقي نائب الرئيس الأميركي مايك بنس.
تتمحور لقاءات الحريري ومحادثاته حول أربعة مواضيع أساسية وهي:
- موضوع العقوبات الأميركية التي تطال حزب الله ومقربين منه،
- ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل في ضوء مهمة ساترفيلد وما أنجزته،
- الوضع في المنطقة في ضوء الإعلان المتدرج عن «صفقة القرن» بشقيها الإقتصادي والسياسي، وكل ما له علاقة باللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، ونتائج مؤتمر «سيدر» ومساره التنفيذي في ضوء إقرار الموازنة والإصلاحات.
إهتمام متدرّج
زيارة الحريري، وهو أرفع مسؤول لبناني يزور واشنطن (بعد زيارات متكررة لقائد الجيش وحاكم مصرف لبنان، إضافة الى زيارة وزير الخارجية للمشاركة في مؤتمر عن الأقليات الدينية في الشرق الأوسط من دون أن يتسنى له عقد لقاء خاص مع نظيره الأميركي)، مؤشر إضافي الى ارتفاع درجة الإهتمام الأميركي بالوضع في لبنان.
هذا الإهتمام الذي كان ترجم قبل أيام ببيان نادر الحصول وصادر عن السفارة الأميركية بشأن حادثة محلية وطريقة التعاطي السياسي والقضائي معها. وترجم قبل ذلك بارتفاع مستوى التعاطي الأميركي مع الدولة اللبنانية.
فقد زار لبنان وزيران للخارجية الأميركية هما ريكس تيلرسون ومايك بومبيو. كذلك شهد زيارات مكوكية لمساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى آنذاك السفير ديفيد ساترفيلد تنفيذاً لوساطة أميركية بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية والبرية الجنوبية، وأيضاً شهد زيارات لوكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، ونائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة ومساعد وزير الخزانة.
«الديار» ـ واشنطن
ساحة نفوذ؟!
يبدو بوضوح من خلال كثافة الزيارات، أنّ لبنان في الحسابات الأميركية ضمن الدول التي لن تتخلى عنها باعتباره من إحدى ساحات النفوذ الخاصة بها. وقد ترجم ذلك من خلال عدد من المواقف والإجراءات المتلاحقة لعل أهمها التمسك بملف تسليح الجيش اللبناني ودعمه ورفض أيّ محاولة لتسليحه أو لدعمه من خارج الإطار الأميركي، والعمل على متابعة العلاقة مع أصدقاء واشنطن في لبنان وهم كثر على الصعيد الرسمي والسياسي والحزبي اللبناني، والمبادرة الى العمل كوسيط لحل نزاعاته مع إسرائيل، وخصوصاً ما يتصل منها بلجم التوترات والسعي لحل أزمة الخلاف على بلوكات النفط والغاز في عرض البحر.
تقييم أميركي
حصيلة تقييم الإدارة الأميركية ونظرتها الى الوضع في لبنان، واستناداً الى انطباعات وخلاصات خرج بها زوار واشنطن، تختصر في أبرز النقاط التالية:
إنزعاج أميركي من موقف لبنان حيال «صفقة القرن»، وترجمة هذا الموقف برفض المشاركة في ورشة البحرين، على الرغم من أنه أحد أكثر المستفيدين من مكملاتها الإستثمارية التي تصل الى ما يزيد عن 6 مليارات دولار حاجته اليها ملحة ربطاً بوضعه الاقتصادي الصعب.
المقاربة الأميركية لوضع حزب الله تواصل السير في اتجاه تصاعدي. تبعاً لذلك، يقول الأميركيون أن سيناريو العقوبات السابقة على الحزب كانت ناجعة بقدر بسيط، وأدت الى إدخال حزب الله بضائقة مالية خانقة، إلا أنها كما يقول الأميركيون كانت مرحلة اولى تتطلب أن تتبعها إجراءات عقابية أقسى وأكثر نوعية على حزب الله.
رغبة واشنطن في ان ترى الحكومة اللبنانية قوية، والتقييم الذي يقدمه الأميركيون في هذا المجال، يشير الى أن الولايات المتحدة غاضبة من ضعف الحكومة أمام حزب الله، الذي يخشى من تحكمه بها. ويساعده في ذلك، الإحتضان الرسمي له واعتباره واحداً من المكونات اللبنانية وأحد ركائز المعادلة اللبنانية. ويساعده أيضاً ما يصفه الأميركيون بـ «عدم التوازن» في الموقف اللبناني. فمن ناحية يقول اللبنانيون أنهم ملتزمون بـ «النأي بالنفس»، وأنه يسعى الى صداقات مع الجميع، إلا أنه في المقابل يغض النظر على حزب الله، وتدخلاته في سوريا واليمن والعراق وكل المنطقة، وصولاً الى تكديس ترسانته التسليحية وإعلانه ربط لبنان بايران، وانه سيفتح جبهة لبنان في حال حصلت تطورات على الجبهة الايرانية.
حدّان
بالإجمال، تقع السياسة الأميركية في لبنان بين حدين:
1 - حد أدنى هو تكرار الرسائل التحذيرية من مشروع حزب الله التوسعي في السلطة والدولة، وحضن الحلفاء على التوحد خلف مشروع المواجهة الأميركية في المنطقة، بعدما أصبح الخيار حسب بومبيو (خلال زيارته الى بيروت) بين: إما أن يمضي اللبنانيون قدماً ويتحلوا بالشجاعة، أو يسمحوا لايران وحزب الله ان يسيطرا، فيدفع لبنان عندها ثمناً باهظاً.
2 - وحد أقصى هو الذهاب الى تنفيذ التهديدات السابقة وتوسيع لائحة العقوبات الأميركية لتشمل حلفاء الحزب وأصدقاء له من كل البيئات السياسية والطائفية، وتطال مسؤولين وشخصيات سياسية واقتصادية، وذلك في اطار الخطة الأميركية الهادفة الى تفكيك أذرع ايران في المنطقة وأولها حزب الله بعدما أخذت إدارة ترامب تلمس أن العقوبات الاقتصادية بدأت تؤتي ثمارها.
الأولويات
المسؤولون والسياسيون اللبنانيون سمعوا في الأشهر الأخيرة كلاماً صريحاً يعبر عن عدائية واضحة ضد حزب الله، وأن الادارة الأميركية لا تريد كلاماً يبرر هيمنة حزب الله على الدولة، وأن مقولة إن الحزب جزء أساسي من النسيج اللبناني، وأحد أبرز مكونات المجتمع اللبناني، لا يمكن تسويقه لدى الرئيس دونالد ترامب...
الأميركيون متفقون مع حلفائهم في المنطقة خصوصاً مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج على تضييق الخناق الاقتصادي على ايران وأذرعتها العسكرية لا سيما حزب الله، ويعتبرون ان المرحلة مؤاتية جداً لتحقيق هذا الهدف .
وأولوية الإدارة الأميركية بعد إلغاء الإتفاق النووي هو مواجهة ايران في كل الساحات، وتضييق الخناق على حزب الله، وعدم الفصل بين جناحيه السياسي والعسكري.
كما أن الصقور في إدارة ترامب، وعلى رأسهم مستشار الأمن القومي جون بولتون، يؤكدون على أن أميركا أوقفت العمل بالعدّة القديمة وانتهت من موروثات ادارة باراك اوباما التي غضّت الطرف عن المشروع الإيراني، وبدأت العمل بعدّة شغل جديدة تترجم تبدل السياسات الأميركية والأوروبية، خصوصاً مع لندن التي حذّت حذو واشنطن في عدم التفريق بين حزب الله السياسي والعسكري.
ما لا تصدقه واشنطن
الأميركيون غير واثقين بوجود جهوزية لدى أي طرف لبناني أساسي لمواجهة حزب الله، أو حتى وجود رغبة بهذا الإتجاه، ويقسّمون اللبنانيين الى قسمين:
قسم متواطئ مع حزب الله،
وقسم عاجز عن مواجهته ويسلّم بالواقع القائم ويتعايش معه...
كما أن الأميركيين غير مقتنعين بأن الجانب اللبناني ينفذ القرار الدولي 1701 كما يجب، ولا يصدقون تماماً التأكيدات اللبنانية في هذا الإتجاه.
القلق اللبناني
في المقابل، اللبنانيون قلقون من منحى السياسة الأميركية الجديدة في لبنان، وطريقة التعاطي معه ويعتبرون أنها تنطوي على تحريض ضد حزب الله والدفع باتجاه المواجهة معه التي توصل الى حرب أهلية جديدة...
ومن المآخذ انها لا تأخذ في الإعتبار خصوصية الوضع اللبناني وتركيبته الحساسة وهشاشة أوضاعه الإقتصادية والمالية وواقع حزب الله، بحيث باتت مشكلته أكبر من لبنان وجزءاً من أزمات المنطقة، وحلها لا يكون إلا في نطاق ما يعد للمنطقة من تسويات وصفقات حلول أو من حروب وتصفية حسابات...
حول حوار وطني متجدد قبل سقوط الهيكل
في العام 2018 انتخب مجلس نيابي على أساس قانون انتخابي جديد اكثر انصافا وعدالة، لجهة تأمين التمثيل الشعبي الصحيح والتوازن الوطني على المستويين الطائفي والسياسي. وانبثق عن هذا المجلس حكومة ممثلة لمعظم الاتجاهات والمكوّنات.
ما بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة، اثبتت الوقائع ان لا المجلس النيابي الجديد بتركيبته الفضفاضة قادر على احتضان وبت المسائل والملفات الكبر رغم كونه المكان الطبيعي لاي حوار ونقاش، ولا الحكومة بإمكانها التصدي لمثل هذه المسائل المصيرية التي تتعلق بمسار ومصير البلد ومستقبله، وهي الغارقة في تفاصيل يومية وخلافات سياسية وصراع على السلطة...
وحده حوار وطني بصيغة متجددة قادر على ان يكون الاطار الضابط والمقرر لكل القضايا الوطنية والمصيرية التي يلزمها بحث معمّق ومستفيض، والذي ينبغي له ان يكون مفتوحا من الناحيتين الزمنية والسياسية ومنفتحا في اشخاصه، فلا يكون مقيّدا بمهلة زمنية معينة، ولا يكون جدول اعماله محددا ومقتصرا على مسألة الاستراتيجية الدفاعية، رغم أهميتها، وانما يتضمن بنودا أخرى على جانب كبير من الأهمية.
الاستراتيجية الدفاعية
من الطبيعي ان تكون الاستراتيجية الدفاعية هي العنوان الأساسي في الحوار الوطني، لتحديد اطار العلاقة بين الدولة والمقاومة، وخصوصا بين الجيش اللبناني وحزب الله، ولتبديد الإشكالية وكل الشكوك والهواجس والتساؤلات التي تحيط بهذه العلاقة، ولارسال إشارة إيجابية الى المجتمع الدولي الذي يرهن مساعداته الى لبنان، ولا سيما في المجالات العسكرية والأمنية، بقيام الدولة الفعلية التي لا شريك ولا منازع لها في السلطة والقرار والسيادة.
صحيح ان مسألة سلاح حزب الله ودوره العسكري هي مسألة معقّدة وشائكة ولها ابعاد إقليمية، لكن لبنان لا يستطيع ان ينتظر حل أزمات المنطقة لحل هذه المسألة، وليس امامه الا ان يضع لها الأطر والضوابط بانتظار التسوية الكبرى في المنطقة، وحسم هذا الملف في اتجاه ان يكون هناك دولة او لا يكون.
ان مشروع بناء الدولة يفترض ان يكون قرار الحرب والسلم في يد الدولة اللبنانية لوحدها، وأيضا وضع آلية العلاقة وتنظيمها بين الدولة وحزب الله الذي خطا خطوات متقدمة في الفترة الأخيرة باتجاه الانخراط الفعلي والفاعل في مشروع الدولة ومؤسساتها، والتدخل في قضايا الإصلاح ومكافحة الفساد والخطط الاقتصادية.
ولكن الاستراتيجية الدفاعية على أهميتها لا يمكن ان تحجب وتهمّش مسائل أخرى تستلزم بحثا عاجلا وتوافقا وطنيا، ومن ابرزها وأكثرها الحاحا:
1 - الازمة الاقتصادية - الاجتماعية التي تورث الدولة وتثقل كاهلها المالي وتقضّ مضاجع المواطنين وتشكل مصدر قلق لديهم على واقعهم ومستقبلهم. هذه الازمة بلغت مراحل متقدمة ولامست الخط الأحمر، بحيث لم تعد تفيد معها معالجات جزئية او تخديرية مؤقتة، وانما باتت تحتاج الى معالجات جذرية ومقاربة استراتيجية.
تحت السقف
هدف واشنطن هو الاحتفاظ بلبنان ليكون قاعدة أساسية لحضورها الاستراتيجي في الشرق الأوسط. ولذلك، هي تضغط عليه اليوم لعزله عن دائرة النفوذ الإيراني والطموحات الروسية، وتسلف لبنان دعما على مختلف المستويات:
1 - دعم الجيش اللبناني والتنسيق معه امنيا، ومع المؤسسات الأمنية
2 - دعم القطاعات المالية اللبنانية، ولا سيما منها القطاع المصرفي / الدعم الاقتصادي/ توفير التغطية السياسية للبنان في المحافل الدولية/
3 - رعاية التسويات التي توفر الاستقرار الداخلي
4 - الحؤول دون تعرضه لنزاعات او حروب حدودية.
لكن لبنان بقي دائما يدفع ثمن استفادته من الحضانة الأميركية. والثمن هو عدم خروج لبنان من واشنطن... لا الى طهران ولا الى موسكو ولا الى الأوروبيين. فلكل من هؤلاء حصته. وأما الرعاية الأساسية فتبقى أميركية. والحجم الذي قررت واشنطن اعطاءه للمبنى الجديد لسفارتها في عوكر له دلالاته المستقبلية.
ومن هنا يمكن ادراك الرغبة الأميركية في ابعاد ايران عن القرار اللبناني، وضبط حدود التقارب بين لبنان وروسيا. وعموما يبدو لبنان منضبطا تحت السقف الأميركي، وهو عاجز عن الإفلات تحت طائلة اهتزاز استقراره المالي والعسكري والسياسي والاقتصادي.
ما هي أسرار واشــنـطـن الـــتــي أبلـــغتها للحريـــــري