انتهى شهر آب اللَّهاب، وأقبل شهر أيلول اللِّي ذيلو بالشِّتي مبلول. ممَّا جعل القرويِّين يتهيَّأون للعودة إلى بيوتهم في القرية بعد أن هجروها وحيواناتهم طوعاً منذ أواخر شهر أيَّار، لقضاء سحابة فصل الحرِّ وسط كرومهم، فيما كان يُعرف باسم موسم التَّتين.
كان على أمِّ رهيفٍ، وقد فرغت من إعداد مؤونة العام من كشكٍ ومخلَّلاتٍ ومربَّياتٍ وغيره، أن تقوم بخلع ملاءات الفرش واللِّحف وبيوت المخدَّات، ولمِّ البُسط والحُصْر، وجمع الثياب التي كاد غبار خيمة القشِّ أن يذهب بألوانها، لتقصد النَّهر قبل أن "تُصلَّب الدُّنيا*(١) فتغسلها وتعيد إليها زهوَّها.
كانت الأمُّ قد ربطت "جحش ابراهيم فيَّاض" المساء الفائت إلى جذع شجرة التِّين "العسلانيَّة*(٢) قرب المراح، وبالغت في إكرامه بتقديم العلف والماء له، بإضافة المزيد من "الكَرْسَنِّ*(٣) إلى التِّبن. وقصَّة جحش ابراهيم فيَّاض في الضَّيعة قصَّةٌ كبيرة؛ فذلك الجَّحش منحوس الطَّالع، عاثر الحظِّ، كان لابراهيم فيّاض بالإسم فقط فيما كان يتشارك الأهالي جميعاً في استخدامه من دون إذنٍ ولا دستور !!!. فباستطاعة أيٍّ كان أن يقصد دار أبي عليٍّ، من غير أن "يُبْصِرَ*(٤)" دوراً، ويفكَّ الجحش من عقاله تحت شجرة الزَّنزرخت، ويسوقه لنقل حملة حطبٍ أو نقلة ماءٍ أو القيام بزيارة صديقٍ في إحدى قرى الجوار، ويعيده من ثمَّ إلى موضعه و"يادار ما دَخَلِكْ شَرّْ" !!!. ولو قُدِّر لكارل ماركس وصديقه فريدريك أنجلز أن يدركا جحش أبي عليٍّ هذا، لكانا أدرجاه كمثالٍ دامغٍ معاصرٍ في تأكيد الملكيَّة الجماعيَّة لوسائل الانتاج في مرحلة المشاعيَّة البدائيَّة ... وحتَّى إنَّه صار مضرب المثل في الضَّيعة وجوارها، في حال قيام أحدهم بعملٍ ما من دون حمدٍ ولا شكورٍ.
في صباح اليوم الموعود، كانت أمُّ رهيفٍ قد دسَّت غسيلها في "ملحفةٍ*(٥)"، أحكمت ربطها إلى ظهر الجحش فيما وضعت كلَّاً من صغيريْها رهيفٍ وعليٍّ في إحدى عينتيْ الخرج، من دون أن تنسى إضافة حجرٍ إلى عينة عليٍّ لتتعادل مع عينة شقيقه الذي يفوقه وزناً. ومن هنا كان مضرب المثل الشَّعبيِّ عندما يُراد التَّقليل من شأن إدِّعاء شخصٍ ما بعمله، بالردِّ عليه: "إِيْ شُو كَايِنْ إنتِ عَدَّلْتْ المَايْلِةْ" !!!. أي عدَّلت كفَّة الميزان.
لم تنسَ أمُّ رهيفٍ أن تدسَّ بعض "قرامي*(٦)" الزَّيتون و"لطاطيع الزِّبل*(٧)" في كيسٍ من جُنْفَيْص شدَّته بحزامٍ فوق ملحفة الثياب. وبعد أن وضعت فوق "الإكليل*(٨)" على رأسها "لَكَنَ*(٩)" الغسيل و"الكَلَنَ*(١٠)" بما يحتويان من مواد غذائيَّةٍ لتحضير وجبة الغداء، انطلقت القافلة نحو النَّهر مروراً بين كروم مناطق الحَوْطة والمرج ومغريْقة الحاوي، حيث كانت الوالدة تجرُّ الجحش من رسنه، حرصاً منها على سلامة الصغار والحِمْل، وخشية أن يرتطموا بأغصان الأشجار المتشعِّبة في غير اتِّجاه. فجحش ابراهيم فيَّاض كان يتعمَّد المرور بمحاذاتها والاحتكاك بها متوخيَّاً وقوع شيءٍ ما يحول بين الجماعة ومتابعة رحلتهم، فلا ضرب العصا عاد ينفع معه وقد تمسح قفاه لكثرة ما انهالت عليه، ولا كلمة "بّرِّي*(١١)" باتت تجدي لديه فتيلا.
صحيح "إنُّو هُوِّي جحشْ، بَسّْ بِيفَكِّرْ الله يحرسو، وْعِنْدو بلا زُغْرَةْ أَفكار خلَّاقة متل أفكار كتير من حكَّامنا بها الأيَّام !!!.
المهم أنَّه عند وصول الرَّكب إلى درب البيَّاض، اطمأنَّت الأمُّ للوضع، فـ"لكَّت*(١٢)" الرَّسن على رقبة الجحش وأطلقت له العنان لتسير خلفه، فهو يعرف ذلك الطريق حقَّ المعرفة لكثرة ما ارتادها في "زقِّ*(١٣)" الحطب ونقل أحمال الرَّمل والبحص من منطقة الفالق، على ضفَّة نهر اللَّيطاني، إلى القرية بعد أن عرف القرويُّون الإسمنت وراحوا يستبدلون الخرسانة المسلَّحة بالسقوف الترابيَّة.
وعند الوصول إلى "كسارة بيت عبدالله" عادت أمُّ رهيفٍ لتجرَّ الجَّحش من رسنه مجدَّداً لوعورة المسالك المحفوفة بنبات البلاَّن والقندول وشجيرات العُجْرَيْم الشائكة حرصاً منها على سلامة طفليْها، ومخافة أن "يتفشكل*(١٤)" الجَّحش ويسقط أرضاً. ولتحاذر في نهاية الكسارة في عبور منطقة "الزَّاقوق"، ذلك الفالق الطبيعيِّ الضيِّق الذي يشبه الخندق، وتخرج منه إلى منطقة "قرعة الجَعَديَّة"، الرَّابية المنبسطة على كتف النهر، والتي تتوسطها "خرُّوبة*(١٥)" والدها الحاج احمد أمين المعمِّرة. حيث ربطت الجحش إلى أحد فروخها وراحت تقطف بعضاً من ثمارها الموشَّحة بالسواد، لتحضير شراب المقيقة*(١٦) لها ولطفليْها بعد تناول وجبة الغداء. وبعد دقائق كانت اجتازت عقبة قرعة الجعديَّة بطريقها شديد الانحدار المفضي إلى منطقة الفالق على ضفَّة النهر الرَّمليَّة، لتنعطف شرقاً وتجتاز منطقة "خرُّوبة الضِّيْقَةْ" وينتهي بها المطاف في منطقة دُوَّارة "قبر درويش*(١٧)"، حيث حطَّت رحالها.
هناك أنزلت أمُّ رهيفٍ طفليها من عينتيْ الخرج، واللذين لم يتمكَّنا لبعض الوقت من الوقوف على سوقٍ عرقبت من الجلوس داخل الخرج. ومن ثمَّ أنزلت كيس الحطب ولطاطيع الزِّبل فالملحفة المليئة بالثياب. ثمَّ أخذت من فورها تعدُّ موقديْن متجاوريْن، أحدهما لكَلَن الغسيل والآخر لطهي الطَّعام. ثمَّ ربطت "طْوالَة*(١٨)" الجَّحش إلى أحد
جبوب الدُّفلى ليقتات من حشائش المرجة المخضوضرة هناك على الرَّغم من أنَّ فترة القيظ واليباس كانت قد بدأت تذرُّ بقرنيها منذ مدَّة.
"شَوَّفَت*(١٩)" أمُّ رهيفٍ الكَلَن والطَّنجرة، ركَّزتهما فوق الموقديْن، ثمَّ ملأتها بالماء وأضرمت النار في قشٍّ يابسٍ دسَّته بين قرامي الزَّيتون ولطاطيع الزِّبل فراحت أعمدة الدخان الكثيف تتصاعد في فضاء ذلك المكان الموحش لتُرى من البعيد البعيد كأنَّها صادرةٌ عن معسكر جيشٍ لجبٍ حطَّ رحاله هناك.
لم يكن يقطع سكون ذلك المكان النَّائي سوى نعيق الغربان التي كانت تحطُّ على أشجار الخرُّوب المنتشرة في سفوح الجبال التي تحفُّ بمجرى النَّهر من كلِّ صوبٍ، وثغاء ماعز راعي القرية "حسين الأحمودي" في منطقة القدَّام المجاورة، التي كانت ترعى وهي جذلى على أنغام "مُنْجَيْرَةِ*(٢٠)" راعيها الشَّجيَّة المنسابة مع نسيمات ذلك النهار الجميل فتختلج على إيقاعها دواخل جلاميد الصُّخور، و"تشبط*(٢١)" فروخ السَّمك هنا وهناك على صفحة ماء النَّهر. وكان أنَّ عَنِينَ "دولاب النقُّوش*(٢٢)"، المقابل لـ "دوَّارة قبر درويش"، قد أبى إلَّا أن يشارك بدوره في تلك السُّمفونيَّة الطبيعيَّة الخالدة.
وفيما كانت أمُّ رهيفٍ منهمكةً في غسل ذلك "الكُوَّام*(٢٣)" من الثياب، كانت تراقب طفليْها بين الفينة والأخرى وهما يقومان ببناء بيوت أحلامٍ من رملٍ وصنع أشكالٍ مختلفةٍ من الحيوانات، وقد "دَلَسا*(٢٤)" ثيابهما وجسميْهما دَلْساً بالوحل، لتقول لهما ساخرةً: "قالوا لجِحا بُكْرا رايْحينْ ع النَّهر، فقامْ نامْ بِقِنّْ الدجاجات".
لم تكد تسمع أمُّ يوسف، التي كانت تعتني وعائلتها بالبستان المقابل في الضفَّة الأخرى، ضوضاء الأطفال وجلبتهم، حتَّى اقتربت من مجرى النَّهر وراحت تلقي السلام على أمِّ رهيفٍ من "القاطع" المقابل، ثمَّ توارت داخل البستان لتعود بعد قليلٍ وتعبر النَّهر بصحبة ابنتها الصَّبيَّة "أمينة"، وهي تحمل صُرَّةً مليئةً بالحامض والعنب والرُّمان و"الفرفحين*(٢٥)".
وعلاقة أمُّ رهيفٍ الحميمة بأمِّ يوسفَ لها حكايةٌ أخرى!!!؛ ذلك أن الحاج أحمد أمين والد أمِّ رهيفٍ كان في رحلة صيدٍ على ضفاف النَّهر، فشاهد طائراً داخل إحدى أشجار الصَّفصاف في الضفَّة المقابلة ولم يكد يطلق النار عليه من "جِفْتِه*(٢٦)" الدَّكِّ، حتَّى سمع صراخ امرأةٍ تتوجَّع داخل البستان، كانت تلك أمُّ يوسفَ وقد أصابتها بعض حبَّات الخردق، ما استوجب نقلها إلى مدينة صور لمعالجتها، لتبرأ من جراحها بعد بضعة أيَّام، ولتنجم بعدها علاقةٌ طيِّبةٌ بين العائلتين، لم تنفصم عراها بمرور الزَّمن، وكانت أمُّ يوسف تتحدَّث بأسىً وحسرةٍ إلى رهيف، الذي كان يتفقدها بين الفينة والفينة، وبعد مرور ثلاثين عاماً على وفاة أمِّ رهيفٍ إثر حادث سيرٍ مفجعٍ لدى عودتها من زيارة السيدة زينب في الشَّام شتاء سنة ١٩٧٩. قالت له أمُّ يوسف وعيناها تدمعان:
"رحم الله والدتك، التي كانت تذكرني حتَّى آخر يومٍ في حياتها، فلقد أخبرني بعض الذين كانوا برفقتها في الزيارة أنَّها خصَّتني بقطعة قماشٍ لتخيطها لي ثوباً" ...
بعد أن عبرت أمُّ يوسفَ النّّهر وعانقت صديقتها بحرارةٍ راحت الصديقة تعرِّفها على طفليْها رهيفٍ وعليٍّ وطلبت منهما أن يقبِّلا يد الخالة أمِّ يوسف، التي ضمَّتهما وراحت تقبِّلهما بدورها.
ساعدت الخالة أمُّ يوسفَ وابنتها الحسناء أمينة أمَّ رهيفٍ في غسل الثياب و "تفويحها وفَضِّها*(٢٧)" في النهر ونشرها فوق جبوب البلَّان والقندول والشُّجيرات اليابسة المنتشرة في الدُّوَّارة.
وفور الانتهاء من نشر الغسيل تمَّ تحضير وجبة "كِبَّة العدس"، التي وضعت في صينيَّة نحاس وسُكب سمن البقر المُذاب فوقها وتمَّ تقديم سلطة الفرفحين إلى جانبها، لتنتهي الوجبة بتناول مشروب المقيقة طيّب المذاق، بعد خلط ثمرات الخرُّوب بحليب "السّْطَيْلِةْ" الذي قدَّمه حسين الأحمودي، هديَّةً للصغيريْن، عندما وصل إلى الدُّوَّارة ليسقيَ قطيعه.
عادت الصديقة وابنتها إلى بستانهما، فيما عمدت أمُّ رهيفٍ إلى تسخين الماء من جديد لتغسل طفليْها اللَّذيْن كانا قد صارا "عُبْرَة*(٢٨)"، وقد أمتلأ شعر رأسيهما بالرمل وتيبَّس الطِّين على بدنيْهما، بعد أن حظرت الأُمُّ عليهما النزول إلى النَّهر ؛ فالسباحة تصبح مضرَّةً عندما يزهر "قضيب الرَّي*(٢٩)"!!!.
خلعت الأمُّ ثياب ابنها البكر وأجلسته داخل اللَّكن، وما إن بدأت "تقرص*(٣٠) رأسه حتَّى علا صراخه!.فسألته الأمُّ مستفسرةً:
"هل الماء ساخنٌ؟."
أجابها:
"لا!. ولكن تحرحرت عيناي".
فما كان منها إلَّا أن تابعت عملها وهي تدعك بدنه بالنَّعناع البريِّ ذي الرّائحة العطرة الذكيَّة، غير آبهةٍ بصراخه واعتراضه، وما أن انتهت من فرك كامل جسمه، حتَّى همَّ بالنهوض، لكنَّها أمسكته من كتفه وهو يصرخ،وأعادته إلى اللَّكَن مرغماً مدحوراً، وهي تقول:
بعد قدَّامك زوم*(٣١)" تاني !!!. فيما كان شقيقه الأصغر يبكي على الرِّيحة قبل أن يصله الدَّور.
ولمَّا فرغت الأمُّ من تغسيله جرَّته إلى النهر وهي تقول له: "
اقفل أنفك و فمك بيديك لكي أُطَهِّرك".
ثمَّ غطَّسته في الماء ثلاث مراتٍ متتاليه وانتشلته لتنشِّفه وتُلبسه ثيابه النظيفة. ومثل ذلك فعلت مع شقيقه عليٍّ.
فيما بعد توجَّهت الأمُّ نحو ساقية "الخرخار" المجاورة لتستحمَّ وسط شجيرات الدِّفلى، بعد أن كلَّفت الطُّفليْن بالوقوف على طريق الحافر المحاذي لمجرى النَّهر، خشية مرور أحدهم من هناك بمحض الصُّدفة، والطَّلب إليه الانتظار ريثما تفرغ الوالدة من اغتسالها.
وقد أخذت شمس ذلك اليوم الخريفيِّ تتوارى خلف الجبال المحيطة بالمكان، أدركت أمُّ رهيف أنَّ آوان العودة إلى القرية قد أزف. فنهارات شهر أيلول تكون قصيرةً كما يقول المثل الشعبيُّ:
"إيَّامُ الزَّيْت ... صَبَّحتْ مَسَّيتْ*(٣٢)".
على عجالة من أمرها لمَّت غسيلها ووضبته داخل الملحفة، وضعته على ظهر الجَّحش وربطته ثمَّ وضعت الصغيريْن داخل عينتيْ الخرج وقفلت عائدةً إلى القرية من حيث أتت.
ما إن وصلت إلى نهاية منطقة الفالق وهمَّت بصعود عقبة "قرعة الجعديَّة"، حتَّى صادفت "أبا داود مغيزل"، ذا القامة الفارهة، مرتدياً قمبازه، وطربوشه التركيُّ "مدنكساً*(٣٣)" فوق رأسه، قاصداً قرية صير الغربيَّة. وأبو داود هذا كان عمَّار حجرٍ من قرية "دِرْدْغَيَّا" من أهل القاطع، قام ببناء معظم بيوت قرية أمِّ رهيفٍ، وكان يحمل في كوعه سلَّة قصبٍ في داخلها أسماك حنكليسٍ اصطادها قبل قليل وما زال بعضها يختلج داخل السلَّة بين الفينة والفينة لأنَّها لم تنفق بعد. استهجن رهيف المشهد وهو يعرفُ منذ صغره أنَّ أكل الحنكليس محرَّمٌ عند أهل قريته !!!. وما إن حاول استفسار الأمر من والدته، حتَّى نهرته قائلةً:
سِدّْ بُوزَكْ* (٣٤)هَلَّقْ!!!. بَعْدِينْ بْقِلَّكْ !!!...
وسدَّ رهيف بوزه وزَمَّ حاله، لتخبره والدته فيما بعد أنَّ أبا داود هذا مسيحيٌّ، والمسيحيُّون يحلُّ لهم أكل الحنكليس، فكان ذلك أوَّل عهد رهيفٍ بمعرفة أنَّ هنالك في الجوار من هم على ديانة أخرى، وأنَّه يجب احترام عاداتهم ومعتقداتهم.
عند نهاية طريق البيَّاض لجهة القرية انعطف الرَّكب يميناً باتجاه منازل الضيعة، ولم يسلك طريق الكروم نحو خيمة القشِّ في "المعقب". فالمبيت اللَّيلة سيكون في القرية وليس بين الكروم. وصل الجميع إلى القرية مع غروب الشمس، أنزلت الأمُّ الحِمْل عن الجَّحش وجرَّته من رسنه نحو منزل صاحبه. لكنَّه "تَنْحَرَ" وتسمَّر في مكانه رافضاً أن يتزحزح. فلعلَّه كان مسروراً مثل الصغار بهذه الرحلة ولم يعد يرغب في العودة إلى دار العبوديَّة بعد أن تذوَّق حلاوة طعم الحريَّة. ولكن للأسف فقد عاد مرغماً عندما حضر صاحبه وبيده عصا السِّنديان الغليظة. ولا شكَّ في أنَّه قد أمضى ليلته تلك حزيناً مكسور الخاطر .
ومين قال إنُّو الحيوانات مِشْ ذكيَّة ؟!. مِشً يمكن إنّها تكون أذكى من البشر بكثير وهي التي تتواصل فيما بينها وتتفاهم من غير نطقٍ أو استعمال لغةٍ ؟!.
خضر ضيا ٢٠-١-٢٠٢١
—————————
١- تُصَلِّب الدُّنيا: يحين موعد عيد الصليب في ١٤ أيلول من كلِّ عام، والذي يترافق غالباً وسقوط المطر.
٢- التِّينة العِسْلانيَّة: تختلف أنواع أشجار التِّين وتتعدَّد، تبعاً للون ومذاق ثماره، فمنها الصَّيدانيُّ والبقراطيُّ والخضرانيُّ والسَّوَّاديُّ والبيضانيُّ والحمرانيُّ وغيره.
٣- الكَرْسَنُّ: صنفٌ من أصناف القطاني، يضاف إلى علف الحيوانات ليزيد من شهيَّتها.
٤- يُبْصِر دوراً: يحجز دوره مسبقاً.
٥- الملحفة: هي بيت اللِّحاف.
٦- قرامي: جمع قرميَّة، سريانيَّة quarmo، قطعة حطبٍ.
٧- لطاطيع الزِّبل: أقراص الجُّلَّة، تُصنع من خلط روث الحيوانات بالتِّبن، وتُجفَّف لاستخدامها وقوداً.
٨- الإكليل: إكليل من القماش تضعه المرأة فوق رأسها إذا أرادت أن تحمل عليه شيئاً.
٩-اللَّكَن: اللَّكن طشتٌ من معدن يستعمل لوضع الخبز بداخله، أو لغسل الثياب.
١٠- الكَلَن: وعاء من معدن أسطوانيُّ الشَّكل، يستخدم لتسخين الماء أو لحفظ السوائل والمؤونة أحياناً.
١١- بَرِّي: يتوجب كتابتها "بَّرِّ"، وهي من الأوامر التي كان يصدرها الفلَّاحون لحيوانات الجرِّ والنَّقل، بمعنى جانبْ أو حاذرْ، ومثلها "حا" بمعنى اطلِقْ، و "هِشّْ" بمعنى توقَّفْ.
١٢- لَكَّتْ: لفَّت.
١٣- زَ قُّ: نقل.
١٤- يتفشكل: سريانيَّة، بمعنى يتعثَّر.
١٥- خرُّوبة: شجرة الخرنوب التي تنبت في المنطقة ويستخرج من ثمارها دبس الخرُّب حلو المذاق.
١٦- المقيقة: شرابٌ يُحضَّر من خلط ثمار الخرُّوب المهروسة قبل جفافها بالحليب، وإضافة السكَّر إليه حسب الحاجة بعد أن يتخثَّر.
١٧- قبر درويش: منبسط قليل العرض بين
مجرى النَّهر وسفح "عريض البُّصَّيْلِيْةْ، إلى الجهة اليمنى من مجرى ساقية جدول"الخرخار". يوجد بمحاذاته بعض المغاور الطبيعيَّة. كان درويش عبد الحقِّ أحد أبناء البلدة يقيم هناك مع أبقاره ومواشيه، في العقديْ الثاني والثالث من القرن المنصرم، وقد تُوفي ودُفن هناك، فسُمِّيَ المكان باسمه. ويذكر المعمِّرون من أهل القرية أنَّ الثَّائر العامليَّ في وجه الانتداب الفرنسيِّ أدهم خنجر الصَّعبي كان يتردَّد إلى المكان مع بعض مرافقيه ومن بينهم أحد أبناء قريتنا عبد الله رعد، المشهور بعبدالله شحاذة. ومازال المثل يُضرب في قريتنا على الأطفال الذين يقضون معظم أوقاتهم خارج منازلهم بالقول لهم من باب التَّوبيخ: " خَلِّيكُنْ دايْرينْ متل عبد الله شحاذة".
١٨- طْوالة: هو الحبل يُطوّل للدَّابة فترعى مقيَّدةً به، فصيحه طِوال.
١٩- شَوَّفت الوعاء: طلته من خارج بخليط الطِّين مع التِّبن كي لا يلتصق السُّخام النَّاجم عن احتراق وقود الموقد بالمعدن.
٢٠- المُنْجَيْرَة: ناي القصب.
٢١- تشبط: تقفز، ومنه اسم سمك الشَّبُّوط
٢٢- دولاب النَّقوش: الدُّولاب هو ناعورةٌ متوسِّطة الحجم تنشل الماء من النهر لري أشجار البستان. والنقُّوش هو لقب مالك البستان. وكان يوجد على الضفَّة المقابلة في خراج قرية "طير فلسيْه" ثلاثة دواليب، هي : دولاب بستان علي عواض، وهو من قرية صير الغربيَّة، ودولاب حسين علي سليمان الملقَّب باللَّقِّيس، ودولاب النَّقُّوش الآنف الذِّكر، والآخران من قرية"طير فلسيْه".
٢٣- الكُوَّام: الكومة.
٢٤- دلس ثيابه: وسَّخها.
٢٥- الفرفحين: البقلة، واسمه پرپين باللُّغة السِّريانيَّة.
٢٦- الجِّفت: بندقية صيدٍ مزدوجة الماسورة.
٢٧- تفويح الغسيل وفَضِّه: تنظيفه في ماء النَّهر ممَّا علق به من رغوة الصَّابون وأزرار النِّيل، التي كانت تُغلى مع الثياب في اللَّكن، لتصبح ألوانه زاهية.
٢٨- عُبْرَة: وفصيحها عِبرةٌ لمن اعتبر.
٢٩- قضيب الرَّيِّ: نباتٌ بريٌّ، من البصليَّات، يُعرف باسم البُصَّيْليْة أو بصل الفار. يزهر في شهر أيلول.
٣٠- تقرص رأسه: تغسل رأسه وتفركه بالماء والصابون.
٣١- الزُّوم: الغسالة.
٣٢- يُقصد بأيَّام الزَّيت أيَّام شهر أيلول الذي يتوافق وموسم قطاف ثمار الزَّيتون وعصرها. والمقصود بـ "صَبَّحتْ مَسَّيتْ" أنَّك ما تكاد أن تقول صباح الخير حتَّى تقول مساء الخير بعد قليل.
٣٣- مُدَنْكِسا طربوشه: يميله إلى أحد جانبي رأسه.
٣٤- سِدّْ بُوزَكْ هَلَّقْ: اقفل فمك الآن.
——————-
الصُّوَر المُرفقة:
١- طفلان في عينتيْ الخرج، وهو منظرٌ مألوفٌ أيَّام طفولة ذلك الجيل.
٢- شجرة الخرَّوب.
٣- ثمار الخرُّوب قبيل نضوجها.
٤- ثمار الخرُّوب النَّاضجة.
٥- شجيرة الدِّفلى.
٦- قضيب الرَّيِّ.
٧- النَّاعورة.
٨- نبات الفرفحين.
٩- الاغتسال داخل اللَّكن.
١٠- غسل الثياب في اللَّكن.
١١- الجِّفِتْ، بندقيَّة الصَّيد القدية مزدوجة الماسورة.
طرائف الأدب العاملي
مِنْ تِلكَ الأيَّام: ذكرياتُ طفولةٍ ريفيَّةٍ. يوم الغسيل على ضفاف النَّهر. الحلقة رقم (٩).