نداء الوطن✍مايز عبيد
♦️معرض الكتاب في الرابطة الثقافية
التحدّيات الكبيرة التي تواجهها مدينة طرابلس هذه الفترة على مختلف الصعد ولا سيما الأمنية، والتي يُراد منها تغيير وجه المدينة الحقيقي، دفعت بالرابطة الثقافية للإصرار على إقامة معرض الكتاب الـ 46 هذه السنة، وذلك في رسالة مهمّة للتأكيد أنّ وجه طرابلس الحقيقي هو الثقافة. فهذه المدينة هي مدينة العِلم والعلماء والأمن والسلام، وستبقى، ولو أدّى الأمر إلى تغيير مكان إنعقاد المعرض، من معرض رشيد كرامي الدولي إلى مبنى الرابطة الثقافية.
كثيرة هي التحدّيات التي واجهها المعرض، ولا يزال. فليس هو الحدث الأول من نوعه الذي يتمّ إلغاؤه، لو حصل ذلك، سيكون في المدينة. فهناك الكثير من الفعاليات والأنشطة لم تشهدها المدينة هذه السنة، لأسباب عدّة وفي مقدّمها جائحة "كورونا". فالمدينة اليوم تفتقد إلى الحركة على كلّ المستويات.
انطلق المعرض في الأصل من مبنى الرابطة الثقافية سنة 1974، واعتباراً من العام 1998 درجت العادة السنوية على أن ينظّم في معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس. والمعرض اليوم بنسخته الـ 46 ، يعود إلى حيث انطلق مجدداً، اي الى مبنى الرابطة في مقرّها في طرابلس، شارع الثقافة. أسباب ثلاثة رئيسية كانت وراء عودته إلى حاضنته الأساسية في الرابطة الثقافية، بحسب ما يشرح رئيسها الزميل رامز الفري لـ"نداء الوطن". فـ"السبب الأول مادي بحت، بسبب عدم قدرة الجهة المنظمة (الرابطة الثقافية)، على تحمّل تكاليف التنظيم اللوجستي من إيجارات ومختلف الأمور التنظيمية، ولا نستطيع تحميلها للمشاركين، وقد صارت باهظة مع ارتفاع سعر صرف الدولار وارتفاع سعر كل المواد واللوازم معه. اما السبب الثاني فصحّي، يتعلّق بجائحة "كورونا" وعدم القدرة على ضبط كل الأمور صحّياً في أرجاء معرض رشيد كرامي الدولي الواسعة، وتأمين شروط السلامة الصحية فيه، والسبب الثالث أمني لأنّ الأحداث الأمنية المؤسفة التي شهدتها طرابلس، تضعنا أمام تحدٍّ أمني، لجهة تنظيم الوضع الأمني على مساحة المعرض الواسعة".
ويعتبر الفري أن تنظيم المعرض هذه السنة، في أيّ مكان، هو تحدٍّ بكل معنى الكلمة. ويتابع: "أدركنا أنه يجب علينا تحدّي الظروف وعدم الإستسلام لحالة المراوحة القاتلة. فطرابلس مدينة العلم والعلماء، وليست مدينة الشغب كما أراد البعض الترويج، لذلك، صمّمنا على إقامة المعرض هذا العام، ليكون فسحة الأمل والحوار والتلاقي التي تحتاجها المدينة وبالأخص في هذه الظروف.
وعن الحضور والمشاركة يرى الفري أنّها "قياساً مع ما نشهده من أوضاع صعبة، الحضور والمشاركة أكثر مما توقّعنا". وجدّد شكره لجميع المشاركين في المعرض، و"إن دلّ هذا على شيء، فإنه يدلّ على إصرار الناس على الإستمرار، وخلق مساحات من الحوار والتعاطي بإيجابية، وخرق جدار الأجواء القاتمة إلى الفضاءات الأرحب، من خلال المعرض وفعالياته. واستطعنا من خلال أيام العمل وما قبلها، تأمين فرص عمل، ولو موسمية، لشباب وشابات في عدد من مجالات العمل الخاصة بعمل المعرض، سواء التوضيب والنقل وسائقي الأجرة وأمور أخرى.. وهنا أحيي الكتّاب والشعراء والمفكّرين والأدباء، والفنانين، والرسامين، وأصحاب الفكر، الذين ينتظرون معرض الكتاب من سنة إلى أخرى، فيستمرون بالرغم من كلّ شيء، بالتدوين والكتابة، وينتجون ويبدعون على كل المستويات".
وبشأن دور سياسيي طرابلس في دعم المعرض والوقوف إلى جانب هذه الفُسحة الثقافية الوحيدة في طرابلس اليوم، أسف الفري لعدم إقدام أحد من السياسيين على دعم المعرض والمساعدة، "هناك وعد بمساعدة رمزية من الرئيس ميقاتي ما زلنا في انتظارها، أمّا غير ذلك فلا شيء يُذكر. المعرض هذه السنة يغطّي نفقاته من اشتراكات بعض المؤسسات التربوية والإجتماعية وغيرها من المشاركين في أجنحته".
وعن الرسالة التي ينوي المعرض توجيهها من خلال فعالياته، ختم الفري حديثه بالقول: "طرابلس هي مدينة العيش المشترك والتعاون والعلم والمعرفة والمحبة. كانت وستبقى، ولن يستطيع أحد تغيير وجهها. هذا اليوم السابع من أيام المعرض، وكلّ يوم هناك ندوات فكرية وتوقيع كتب قيّمة وهذه الصورة، هي حقيقة طرابلس، وحقيقة أهلها وناسها".
جولة في أرجاء المعرض
دخولنا إلى المعرض كان محطّة لزيارة أجنحة عدّة حجزها أصحابها، من مؤسسات اجتماعية وتربوية وغيرها في أرجائه وصالاته. يحاول المعرض هذه السنة، وبشكل أكبر، أن يُعيد للكتاب اعتباره ودوره المفقود، من خلال المُنظّمين والعارضين المُشاركين على السواء. أما القاعة الأساسية للرابطة الثقافية، فتشهد يومياً أمسيات شعرية وندوات ثقافية واجتماعية متنوّعة، وتوزيع كتب ودواوين ومنشورات. ووصفت فضيلة نوام، من حملة "بادر"، المشاركة بالمعرض هذه السنة بالجميلة والمميزة. وقالت: "لسنا غرباء عن الرابطة الثقافية، نُنظّم دائماً معارض كتب خاصة بنا في هذا المبنى . نجمع الكتب المستعملة كتبرّعات من أشخاص، ثم نبيعها من خلال المعرض. بالمقابل، نستخدم ما يعود من ريع مادي في حملات إنسانية للمحتاجين، كمشروع الحصص الغذائية في شهر رمضان المبارك، ومشروع كسوة العيد وغيرها".
أمّا روّاد المعرض وهواة الكتب والمطالعة، فلهم ضالتهم فيه هذه السنة. عدد كبير من الشباب والشابات وروّاد من مختلف الفئات العمرية، يتجوّلون في أرجائه. رحّب الجميع بإقامة المعرض هذه السنة، وأكدوا أنهم لما كانوا سعداء لو تمّ تأجيله أو إلغاؤه، لأنّه "أصبح جزءاً مهمّاً من ذاكرة مدينة طرابلس وذكرياتها، وحاضرها أيضاً، ونتمنّى أن يبقى في مستقبلها، شعلة نور ومعرفة في هذه المدينة الطيّبة".
"تفقيع الكتب" أي صوت طي الورق، هو الصوت الوحيد الذي يُسمع اليوم في أحياء طرابلس وشوارعها، بفِعل الإصرار، بالرغم من الصمت المدوّي الذي تعيشه المدينة اليوم.
معرض الكتاب الـ46 في طرابلس يُعاند التحدّيات وينطلق