قضايا فرحات أسعد فرحات الإثنين 13 تموز 2020
♦️يعمد آلاف المواطنين، اليوم، كذلك بعض أهل السياسة والإعلام إلى موازاة ما تساويه أجورهم بالليرة مع ما تعادله بالدولار الأميركي ومقارنتها عما كانت تساويه على سعر الصرف الثابت 1500 ليرة. كذلك يعمد الصناعيون إلى مقارنة أسعار الكثير من السلع والخدمات المصنّعة داخلياً، عما كانت تساويه بالعملة الصعبة قبل انخفاض سعر الصرف وقرار المصرف المركزي – وزارة المالية المشترك بإزالة الدعم عن الليرة في أيلول 2019. إلا أن كلا الأمرين بالنسبة إلى الأجور والأسعار جريمة تقترف بحقّ الاقتصاد وأي إمكانية لإصلاح الاعوجاج القائم، والمستمر منذ أواسط التسعينات باتّخاذ قرار دعم الليرة اللبنانية في الأسواق بطريقة مصطنعة غير واقعية لا تستند إلى أية عوامل أو مؤشرات ماكرو اقتصادية حقيقية كزيادة الاستثمار والإنتاج ومعدل التصدير، وانخفاض مستويات البطالة.
بالنسبة إلى الأجور، أن يقارن الموظف اليوم، أجره بالليرة بما أصبح يوازي بالعملات الأجنبية ومقارنته عما كان الحال عليه قبل الأزمة أمر خاطئ، لأن المواطن لا يمكنه مقارنة مستوى الإنتاج والضرائب في لبنان (وهو من دول العالم النامي) بما هو حاصل في دول العالم المتقدم (وأغلبها دول صناعية)، بل الأجدر أن يتم تكييف قيمة الأجور بما تشتريه من سلع وخدمات والمطالبة بتفعيل الرقابة على الأسواق لضمان المحافظة على القدرة الشرائية لليرة وللأجور التي تأخذ بالليرة.
أمثلة
معاش موظف صندوق Teller في مصرف تجاري لبناني كان بمعدل 800 دولار أميركي شهرياً عام 2018 في حين لا يتعدى أجر الموظف الحاصل على الإجازة الجامعية ذاتها في سوريا والعامل في أحد المصارف اللبنانية في دمشق المئة دولار أميركي شهرياً لذات الفترة الزمنية.
معاش أستاذ جامعي في لبنان كمعدل وسطي أربعة آلاف دولار شهرياً عام 2018، بينما لا يتعدى 200 دولار أميركي شهرياً في جامعة سورية لذات الفترة الزمنية.
لذا، نظراً إلى تدخل المصرف المركزي لزيادة الطلب على الليرة في الأسواق بطريقة مصطنعة بموازاة انخفاض الإنتاج، وارتفاع المستوردات، والتحويلات الرأسمالية في المصارف نتيجة الضغط السياسي الداخلي من الليرة إلى الدولار مع فارق الفائدة الضئيل بين العملتين والذي يفوق بأضعاف ما يُعطى في الخارج، كان يؤدّي إلى تضخم في قيمة الأجور بما توازيه بالعملة الصعبة، فيستفيد منها العامل في زيادة الاستهلاك والتبضع في شراء هاتف جديد كل بضعة أشهر، والسفر إلى الخارج أكثر من مرّة سنوياً، ليس نتيجة حجم الإنتاج الذي يقوم به، ولا كمكافأة له على مساهمته في نمو الاقتصاد، بل نتيجة سبب مصطنع من السياسة النقدية للدولة الهادفة لطمأنة المودع الخارجي، والمستثمر في عمل لا إنتاجي، ورشوة للمواطن الساكن الساكت على النظام القائم.
وعوضاً عن تشجيع الأفراد على الريادة والإنتاج، أصبح هدف الشباب إيجاد عمل في القطاع العام؟ فكان الآلاف يتقدمون لوظيفة محرر أو جندي لأن لصاحبها أجراً أعلى من دخل صاحب المهنة الحرة أو الذي حمل المخاطر لتأسيس عمل فردي!
والأجدر مقارنة الأجور بالعملة الصعبة في حالة واحدة فقط من أجل إظهار ما يأخذه الموظف مع ما يوازيه بالوظيفة ذاتها في بلد إنتاجه مشابه لإنتاج بلدنا لا أكثر ولا أقل، وفي حال لم يكن ذلك، فيتم استخدام التناسب، مثلاً:
ينتمي لبنان إلى الدول النامية، ناتجه الإجمالي 56.7 مليار دولار لعام 2018 (حسب تقديرات البنك الدولي)، بلد غير نفطي، يتشابه مع: سوريا، الأردن، تنزانيا... أجور مواطنيه يجب أن تتساوى في الوظائف تبعاً لما يأخذه مواطنو تلك الدول وحسب عملة مرجع قد تكون العملة الأميركية كونها عملة تسويات دولية؛ في المقابل لضمان المحافظة على القدرة الشرائية للأجور يكون عمل الهيئات الرقابية في الدولة (وزارة الاقتصاد، مديرية حماية المستهلك، الادعاء العام والأجهزة القضائية المسؤولة وغيرها).
الأجدر، أنه خلال الفترة الانتقالية والتي قد تمتد لغاية ثلاث سنوات مقبلة، أن يتم منع استخدام الدولار الأميركي
بالنسبة إلى أسعار السلع والخدمات، أن يعمد المُصنِّع أو التاجر إلى التسعير بالدولار الأميركي، وبما توازيه في السوق السوداء من ليرات لبنانية لأنه يرغب بإجراء تحويلات لتلك العملة بواسطة محلات الصرافة هي الجريمة الموصوفة في الاقتصاد، فيعمد أولاً إلى فرض سعر غير عقلاني على المستهلك، وثانياً المضاربة في سوق العملات بإعطاء محل الصرافة كما يطلب سعراً غير عقلاني لما يوازي الدولار الأميركي من عملات محلية، وثالثاً يعمد إلى تنشيف السوق من العملة الصعبة التي كان يجب أن تُستخدم لأغراض الاستيراد الضروري والحيوي للمواطنين، فنقع في أزمة أشد مما نحن فيه.
والأجدر، أنه خلال الفترة الانتقالية والتي قد تمتد لغاية ثلاث سنوات مقبلة، أن يتم منع استخدام الدولار الأميركي أو أي عملة أجنبية بين العموم، وعوضاً يجب فرض غرامة على من يفعل.
في حال كبار أرباب العمل الذين يدفعون لعمالهم أجوراً بعملات صعبة يمكن أن تدفع بناء على السعر الوسطي لليرة - يتم الاتفاق عليه بين الطرفين - وفي حال المورد الذي يستورد سلعاً تتم الاستعانة بالاعتماد المستندي والعلاقة مع المصرف التجاري لتحويل ما يطلب إن كانت السلعة حيوية ومهمة لعموم المواطنين، بينما الموزعون والتجار لا يدفعون له إلا من خلال العملة الوطنية، وهكذا يصبح بالإمكان مراقبة أسعار السلع والخدمات في السوق بطرق أسهل وأضمن لحماية عموم المستهلكين، كذلك حال السائح الذي يمنع عليه استخدام أي عملة عدا العملة الوطنية، ويقوم بإجراء التحويلات اللازمة من أي فرع مصرفي.
الاخبار
* باحث ومستشار اقتصادي
العيش في الكذبة النقدية