مقالات خاصة
لا يكاد يمر يوم أو حتى ساعات قليلة حتى يتكشف عن فضائح من العيار الثقيل على غرار تلك التي كشف عنها الرئيس نبيه بري في الساعات الماضية، وتؤكد ان اصحاب خمسة مصارف قاموا بتهريب مليارين وحوالى 300 مليون دولار الى خارج لبنان، والكل بانتظار ان تتكشف فضائح أدهى واخطر عن مدى المبالغ الاجمالية التي جرى تهريبها لكبار حيتان المال ومسؤولين سياسيين نافذين لدى اصحاب المصارف، فيما تؤكد مصادر مالية مطلعة أن ما جرى تهريبه من كل اصحاب المصارف والنافذين على كل المستويات من أرباب الطبقة الحاكمة.
وتكشف المصادر المالية ان ما جرى تهريبه من اموال ضخمة تفوق ما جرى تهريبه من المصارف الخمسة الكبيرة يفوق الرقم المتداول كثيراً، ليس ما قبل انفجار الحراك الشعبي بقليل او مع انفجار 17 تشرين الاول الماضي انما منذ مطلع العام 2019، حيث كانت جهات واسعة من اصحاب الثروات الضخمة على بينة بما تتجه اليه البلاد من انهيار مالي ونقدي، وحتى ان بعض هذه الجهات عمدت عن سابق تصوّر وتصميم الى تهريب الجزء الاكبر من ودائعها الى الخارج، بناء على ما لديها من معطيات حول الاتجاهات الخطيرة التي يسير نحوها الواقع المالي والنقدي في لبنان وبناء على توجهات وطلبات لها من جهات مالية دولية كبرى، خاصة في الخزانة الاميركية، حتى تقوم بتهريب اموالها للخارج لتسريع المسار الانحداري في لبنان، من ضمن الضغوط والابتزاز الذي مارسته وتمارسه الادارة الاميركية على لبنان، لرفضه الخضوع للاملاءات والضغوط الاميركية حول ترسيم الحدود البحرية والبرية مع العدو الاسرائيلي، وفي سياق التضييق والعقوبات التي تمارسها على كل من يعترض على ما طرحته بمسألة ترسيم الحدود، ورفض التخلي عن دعم المقاومة في مواجهة اطماع وعدوانية كيان العدو.
وتشير المصادر المذكورة الى ان الذين عمدوا الى تهريب اموالهم يصنفون قسمين:
- القسم الاول، قد تكون اموال غير مشبوهة، وقام بها معظم المصارف واسماء اخرى، قد يكون لا شبهة حول ثرواتها المهربة، وهي بمبالغ ضخمة تفوق كثيراً ما يجري تداوله حيث هناك من يقول ان هذه المبالغ تفوق العشرة مليارات دولار.
ـ القسم الثاني، هم من اصحاب الثروات التي عليها شبهات وعمدوا الى تهريبها الى الخارج خوفاً من اي تحقيقات او تداعيات دراماتيكية بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية.
لكن المصادر تؤكد انه حتى ولو كان القانون يسمح للمودعين بتحويل ما يريدونه من ودائعهم للخارج، فان تعمد هؤلاء ومن بينهم اصحاب المصارف الى تهريب هذه المبالغ الضخمة، وفي فترة محدودة من الوقت يطرح علامات استفهام حول الغايات والاسباب التي دفعت الى تهريب كل هذه المبالغ مع كل تداعياته الخطيرة على الوضعين المالي والنقدي، في وقت يفترض ان يكون اصحاب المصارف مدركين لخطورة هذه التحويلات الضخمة للخارج حتى ولو كان القانون يسمح بذلك، بل لجوء اصحاب المصارف انفسهم الى تحويلات تفوق المليارين دولار، ولو كما قال المدعي العام المالي ان 60 بالمئة منها عقود ائتمانية.
وبغض النظر عن طبيعة التشكيلة الحكومية ومضمون بيانها الوزاري الذي ابقى معظم المعالجات المطلوبة مالياً ونقدياً واصلاحياً اشبه بعناوين عامة دون وضوح وشفافية في كل ما ينبغي القيام به، يؤكد الخبير المالي ان اهم الاجراءات والخطوات السريعة التي عليهم ان يعملوا لها، لكي تمكنهم اعادة الثقة للناس والمجتمع الدولي تدريجياً، بها ولمن تمثل وفق الآتي:
1- الخطوات السريعة والضرورية للاصلاح النقدي من خلال اعادة تقييم الواقع القائم للمصارف اللبنانية حيث ان عبارة اعادة رسملة المصارف التي تبنتها الحكومة الجديدة في البيان الوزاري هي عبارة ضبابية، وبالتالي فاي توجهات خارج حفظ حقوق المودعين وتنظيم شفاف وعادل للسحوبات المالية بما يمكن من الاخذ بالاعتبار مستلزمات الناس وقضايا الاستيراد سيفتح الباب امام زيادة مكامن القلق لدى المواطنين ومزيد من الانكماش في الوضع الاقتصادي، واضافة الى ذلك، فاي رسملة للمصارف يجب ان لا تستيعد كل ما يسمى الهندسات المالية، واي صلاحيات استثنائية لاي جهة مصرفية رسمية وغير رسمية، بل هناك حاجة لاعادة النظر بكثير من القوانين حول صلاحية حاكمية مصرف لبنان والمصارف والى جانب كل ذلك، فمسؤولية الحكومة الاولى وضع حد للمتاجرين بالعملة الاجنبية، وبات همهم الوحيد جمع الثروات غير الشرعية على حساب المواطن والاستقرار المالي.
2- التوسع في التحقيق حول كل انواع تحويل الاموال للخارج من مطلع العام 2019 وليس منذ 17 تشرين الاول، لبنيان حقيقة المبالغ الضخمة التي جرى تهريبها للخارج من اصحاب المصارف، وسياسيين ونافذين، على ان يصار في ضوء ذلك، ليس فقط طلب اعادة الاموال المشبوهة، بل الزام المصارف بالدرجة الاولى اعادة الاموال التي هربوها الى الخارج، وكذلك ان يعيد الاثرياء جزءاً اساسياً على الاقل من ودائعهم المهربة الى الخارج، حتى ولو كان القانون يسمح لهم بذلك. ومن دون ذلك فاي قيود تم وضعها على الذين ابقوا ودائعهم في لبنان بدءاً من المودعين الصغار ستكون غير عادلة وحتى غير قانونية.
3- اعادة جدولة الدين العام والفوائد عليه، بما يتيح خفض فوائد الدين الى حوالى النصف على الاقل، حيث ان الفوائد اليوم تمتص حوالى 40 بالمئة من الموازنة، الى جانب تأجيل كل استحقاقات «اليوروبوند» وفي مقدمها مبلغ 1.200 مليار في آذار المقبل، لان فقدان السيولة بالدولار اليوم في امسّ الحاجة لعدم التصرف بما تبقى من احتياط في مصرف لبنان.
4- اخراج ملف ازمة الكهرباء من التجاذبات السياسية، وضرورة ان تأخذ خطة اصلاح الكهرباء قبل اي شيء، ما يتناسب مع خطة الاصلاح الاقتصادية الشاملة، وهو ما يفترض عدم العودة الى نفس الخطة السابقة التي ثبت فشلها من جهة وتكاليفها الضخمة من جهة ثانية، بحيث يصار الى اجراء مناقصة دولية، حتى تقوم جهات دولية موثوقة بتنفيذ الخطة على غرار ما عرض على لبنان في مراحل سابقة.
5- تحديد فترة قصيرة لا تتعدى الشهر لوضع لائحة متكاملة بكامل املاك الدولة التي جرى وضع اليد عليها طوال السنوات الثلاثين الماضية ومستمرة حتى اليوم، من مخالفات بحرية ونهرية وبرية الى الاف العقارات التي تقدر بعشرات ملايين الامتار المربعة، حتى يعاد في المرحلة الاولى تصحيح الخلل الفاضح في الضرائب المخفضة التي تستحصلها الدولة من هذه المخالفات، وكذلك اعادة النظر بالقيم التأجيرية الرمزية لالاف العقارات العائدة للدولة، من وسط بيروت الى كل المناطق.
5- الاسراع في رفع مشروع قانون للاصلاح القضائي، يسقط الهيمنة السياسية على القضاء.
6- اتخاذ اجراءات سريعة لضبط الهدر الضخم والتهرب الضريبي والجمركي في عشرات المرافق الاساسية، من شركتي الخليوي، الى مرفأ بيروت حيث في هذين المرفقين لوحدهما بلغ قيمة الهدر والتهرب الضريبي ما يصل الى ملياري دولار سنوياً.
7- ان تبرهن سريعاً عن حرصها ورغبتها باطلاق عملية اصلاحات شاملة. تطال اعالة النظر بعشرات القوانين التي تقونن الهدر والتهرب الضريبي. وتحد من الصلاحية شبه المطلقة المعطاة للوزراء وبالاخص رؤساء المصالح والمؤسسات على انواعها التصرف بالمال العام. وحتى عدم الالتزام بالقوانين الحالية.
8- تشكيلة لجنة وزارية مع مختصين لاعادة تقييم البنود الاتفاقية في الموازنة، حيث لا زال هناك مئات الابواب يمكن حفظ مئات مليارات الليرات التي تصرف دون جدوى، بل معظمها لتنفيعات سياسية، او خدمات غير ضرورية لكبار الموظفين ورواتب خيالية لمئات الموظفنين وبينها اعادة النظر بالاف العناصر الامنية المفرزة لحمايات شخصية، ومنها ايضاً الحد من الاتفاقات الاضافية للسفر والساعات الاضافية واعادة النظر بالمادة 80 من قانون عناصر معاش التقاعد وتعديله الصرف لكبار الضباط في الاجهزة الامنية، مع تخفيض عديد العمداء في هذه الاجهزة، وكذلك اعادة النظر برواتب النواب السابقين.
9- وضع الاطر والقوانين الواضحة والشفافة وبالسرعة المطلوبة لاستعادة المال المنهوب ومحاكمة كل من تثبت التحقيقات انه استفاد بطرق غير شرعية من المال العام، وهذا سيتوجب في المرحلة المقبلة التثبت من الطرق التي تمكن اصحاب الثروات جني ثرواتهم خصوصاً ان هناك حوالى خمسة الاف حساب في المصارف اللبنانية يملكون 53 مليار دولار وبين هؤلاء حساب يملكون حوالى عشرة مليارات دولار.
10- تحديد فترة محددة لا تتجاوز الثلاثة اشهر لكي يكون امام الحكومة تصور واضح بالارقام حول التضخم في القطاع العام، وفي كل مؤسساته المختلفة، مع تصور لجدوى كل قطاع أو مؤسسة او وزارة، او عدد العاملين في كل منها، ليصار في ضوء ذلك الى اعادة النظر بكامل القطاع العام وجدوى استمراره لما هو عليه اليوم، بدءا من عشرات المؤسسات والمجالس التي لا جدوى منها.
11ـ عدم الدخول في اي عمليات خصخصة للمرافق العامة، قبل انجاز ورشة الاصلاح، بعيداً عن اي خصخصة تستهدف بيع ممتلكات الدولة، مع امكانية تسليم ادارة بعض المرافق للقطاع الخاص، وفق آليات واضحة.
الديار
بعد فضائح تهريب الاموال... وتقاذف المسؤوليات واللا محاسبة: «شعرة» بين الافلاس والانقاذ الامتحان الأول أمام الحكومة بمحاصرة محميات الفساد والمافيات السياسية والمذهبية والمالية حسن سلامه 8 شباط 2020