عزة الحاج حسن | الثلاثاء 26/11/2019
المخاطر لا تطال مصرفاً أو مصرفين بل القطاع المصرفي بأكمله (Getty)
لم يعد الحديث بالأرقام المصرفية محور اهتمام صغار المودعين. كما لم يعد يعنيهم لمَن تعود تلك التحويلات المالية الهاربة "خلسة" إلى الخارج.. كل ما يعنيهم اليوم هو معرفة مصير ودائعهم وجنى أعمارهم، في حال إفلاس مصرف ما. أو في حال إعلانه التوقف عن العمل كلياً في السوق. وهل من ضمانات على أموال المودعين تكفل لهم إعادة دفع أموالهم في حال إفلاس المصارف؟
خطة لتجنب الإنهيار
دفعت الأزمة القائمة في البلد المصارف اللبنانية إلى اتخاذ إجراءات، وفرض قيود على عمليات السحب النقدي، في إطار خطة لحماية القطاع المصرفي من الضغوط، وربما من "الانهيار". وعادة ما تتخذ دول ومصارف هكذا إجراءات، في حالات الخطر الكبير المُحدق بالبلد، والذي من شأنه دفع مصارف ومؤسسات مالية إلى الإفلاس. ودائماً ما تكون القيود المصرفية مؤقتة، لكن من دون تحديد نهاية المدة الزمنية، كما هو الحال في لبنان، إنما يتم ربطها بزوال الخطر عن القطاع المصرفي.
وقد اعتمدت المصارف اللبنانية القيود المعمول بها في أكثر من بلد يتعرّض قطاعه المصرفي لضغوط معينة، بينها إغلاق أبواب المصارف في وجه العملاء لأيام، وتحديد سقوف لعمليات السحب النقدي، لاسيما بالعملة الأجنبية، الدولار، ووقف التحويلات إلى الخارج. ومؤخراً عمدت بعض المصارف إلى اتخاذ قرار بوقف العمل بالبطاقات المصرفية (الفيزا وغيرها) خارج الأراضي اللبنانية.
هل من ضمانات
ما هي الضمانة لأموال المودعين في المصارف؟ في حال إفلاس أي مصرف في العالم يتولى عادة البنك المركزي توفير الضمانة على الودائع. وتختلف طريقة وحجم الضمانات بين دولة وأخرى. وتعتمد غالبية الدولة على صناديق تأمين على الودائع، يتم تأسيسها بمساهمة المصارف واحتياطات المصارف المركزية. وتكون مهمتها ضمان أموال المودعين كاملة في حال الإفلاس.
في دول الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، تعتبر الودائع لدى المصارف مضمونة في حال الإفلاس. إذ تبلغ الضمانة لتغطية الوديعة نحو 100000 يورو. أما في لبنان فينص القانون رقم 110/1991 على أن المؤسسة الوطنية لضمان الودائع تضمن ودائع المصارف المتوقفة عن الدفع أو التي ستوضع اليد عليها لغاية مبلغ 5 ملايين ليرة لبنانية فقط (5000000 ليرة) أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية. من هنا يرى البعض أنه كان ملحاً في وقت سابق أن تُرفع قيمة الضمانة على الوديعة في لبنان أقله إلى 100 مليون ليرة أو 150 مليون ليرة.
الأزمة أكبر من مصرف
ومن حيث المبدأ، في حال توقف أي مصرف في لبنان عن الدفع، يتدخل مصرف لبنان عبر إجراءات، بينها تعويم المصرف وضخ الأموال، لاستيعاب التعثر المالي، منعاً للدخول في مرحلة تصفية الموجودات وحرصاً على أموال المودعين.
لكن واقع الأزمة القائمة اليوم في لبنان، تحول دون التعامل مع أزمة المصارف وفق ما تم ذكره. فالأزمة اليوم تطال القطاع المصرفي اللبناني بأكمله. وبالتالي، في حال تعثر القطاع وتوقف المصارف عن الدفع لا يمكن، وفق عدد من الخبراء، التعامل مع أزمة المصارف كما يتم التعامل مع مصرف واحد أو اثنين. ومن غير الممكن أن يتمكن مصرف لبنان من احتواء أزمة انهيار قطاع بأكمله فيما لو حصل ذلك.
ينهار بأكمله او ينجو بأكمله
وعن واقع القطاع المصرفي اللبناني تحديداً يرى الخبير الاقتصادي حسن خليل، في حديث إلى "المدن"، أنه من غير الممكن الحديث عن إفلاس مصرف واحد أو أكثر في لبنان. فالأزمة تطال القطاع المصرفي برمّته. وواقع حال المصارف بات متشابهاً إلى حد كبير، وجميعها تعاني من شح السيولة.
وإذ يلفت خليل إلى أن القطاع المصرفي يواجه اليوم أزمة سيولة، فإما أن ينهار بأكمله أو أن ينجو بأكمله. ولا تمايز بين مصرف وآخر. وينتقد آلية عمل المصارف وتعريضها لآلاف المغتربين اللبنانيين للخطر رغم أن الطاقة الإغترابية تُعد البنية الأساسية التي تشكل أهم عامل للاستقرار في لبنان، ويختم بالقول: "أوهمت المصارف مودعيها على مدى عشرين عاماً بأنهم ينفقون من فوائد ودائعهم ليتبيّن اليوم أن الإنفاق كان يتم من أصل الودائع. وما الفوائد سوى أرقام مسجّلة على دفاتر المصارف لا يمكن اعتبارها سوى مال وهمي".
أزمة قطاع
يلتقي خبراء اقتصاد ومال على نظرية ترابط الأزمة بين المصارف كافة. وفي حال تعثر أحد المصارف، يطمئن الخبير المالي تميم موسى في حديثه إلى "المدن"، أن السلطة النقدية تبقى الحافظة لحقوق المودعين. ويوضح أن الاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان ومؤسسة ضمان الودائع، لديهما القدرة على تغطية أي حالة تعثر. ويستبعد حصول حالات إفلاس بين المصارف. أما في حال التوقف عن الدفع، فإن مصرف لبنان سيمارس مهامه بوضع اليد على المصرف المعني، ويتّجه إلى تصفيته وإعادة أموال المودعين، وذلك استناداً إلى الإجراءات التي اتخذت عقب أزمة بنك إنترا سابقاً.
ويعود موسى ليؤكد أن أزمة المصارف اليوم ليست مرتبطة بمصرف أو مصرفين. بل هي مرتبطة بمخاطر إفلاس القطاع المصرفي بأكمله وبارتباط الأخير بإفلاس الدولة عموماً.
المدن
في حال إفلاس مصرف.. ما مصير الودائع؟