جريدة الأخبار
رياضة محلية الكرة اللبنانيّة شربل كريّم الجمعة 17 شباط 2023
من اجل دوري أقوى: تقليص عدد الفرق هو الحلّ
يحتاج الدوري إلى خطوةٍ من هذا النوع من باب الدفع به نحو مرحلةٍ جديدة (طلال سلمان)
صحيحٌ أن المنافسة باتت ثلاثية الرؤوس على لقب الدوري اللبناني لكرة القدم، لكنّ تقارب مستوى غالبية المباريات عكس مؤشرات مهمة أفرزها توزيع الفرق على قسمين، ما جعل المنافسة أقوى من فوق ومن تحت لأسبابٍ محددة، وهو ما يتوقّع أن يستمر مع انطلاق الجولة الثانية من إياب سداسية الأوائل والأواخر في نهاية الأسبوع الحالي
بين موافقٍ ومعارضٍ انغمس الجميع في النظام الجديد لدوري الدرجة الأولى، والذي شرح كاتبوه بأنه الحلّ الأمثل لإبعاد الشبهات عن المباريات، أو أقله تقليل حجم تساهل بعض الفرق مع فرقٍ أخرى إثر تأمينها البقاء في دوري الأضواء لموسمٍ إضافي أو لفقدانها الأمل في المنافسة على اللقب.
كثيرون ذهبوا إلى الإضاءة على ما اعتبروه سلبيات في هذا النظام، وآخرون شدّدوا على إيجابياتٍ معيّنة. لكن ما لم تتوقّعه الغالبية من الطرفين أن يرتفع المستوى التنافسي بشكلٍ غير معهود، أقله في المواسم القريبة الماضية، بحيث دخلت الفرق الخمسة الأولى إلى السداسية وهي تملك كلها فرصة الفوز باللقب، بينما بدأت الفرق الخمسة الأخيرة سداسيتها وهي مهددة بالهبوط إلى الدرجة الثانية.
25 عاماً مرّت
عملية فرز الفرق إلى مستويين، وعدم قدرة فريقٍ مثل الشباب الغازية على مجاراة الفرق الخمسة الأخرى في قسمه، تركت مؤشراً واضحاً على أن مسألة رفع المستوى التنافسي لمباريات الدوري، وإبقاء التحدي مفتوحاً منذ الجولة الافتتاحية وحتى الأخيرة، لا يمكن أن تتمّ إلا من خلال تقليص عدد فرق البطولة مستقبلاً.
هو طرحٌ سبق أن تمّ تداوله في مجالس ضيّقة من دون أن يأخذ أي منحى رسمي، ولو أن الفكرة تدور حول تقليص عدد الفرق تدريجياً ليصبح عددها 8 فرق، إذ يرى الخبراء أن هناك نقصاً في المواهب، وهو ما يقلّص من عدد اللاعبين الذين يرتقون إلى مستوى اللعب في الدرجة الأولى، وبالتالي فإن حصر أفضل اللاعبين «الصالحين» للعب في دوري الكبار ضمن فرقٍ أقل يصبح مستوى هذه الفرق متقارباً، ويرتفع بالتالي نسق اللعب وحرارة المباريات.
ad
إذاً تقليص عدد الفرق في أقرب وقتٍ ممكن هو الحلّ الكفيل لتفادي الوقوع في فخ مبارياتٍ بأداءٍ خجول لفريقيها، تماماً مثل ما حصل في المرحلة الأولى من عمر البطولة، التي تحرّرت بمجرد توزيع الفرق على السداسيتين.
أضف أن الدوري يحتاج إلى خطوةٍ من هذا النوع من باب الدفع به نحو مرحلةٍ جديدة، إذ مضى ربع قرن تماماً على إقرار إقامة الدوري بـ 12 فريقاً بدلاً من 14، وقد حدث ذلك في ختام موسم 1997-1998 عندما هبطت ثلاثة فرق إلى الدرجة الثانية وصعد بدلاً منها السلام زغرتا، وقد استمر الحال في العدد المعتمد للفرق حتى يومنا هذا.
طرحٌ ومثال
هنا، قد يأتي البعض ليقول بأن تقليص عدد الفرق سيضرّ بعملية تطوّر اللاعبين وخصوصاً الشبان منهم الذين يحتاجون إلى لعب أكبر عددٍ من المباريات. لكن مع أي طرحٍ تحضر عادةً الحلول التي تكون ربما أكثر إفادة، ويمكن اقتباسها من بلدانٍ أوروبية اعتمدتها في ما مضى لترفع من مستوى بطولاتها قبل أن تعود لتزيد عدد فرقها، حيث أقيم الدوري الممتاز بمشاركة 8 فرق خاضت ثلاث مراحل (ذهاب، إياب ومرحلة إضافية) قبل أن يتمّ توزيعها بالتساوي على مجموعتين، تحدّد إحداهما بطل الدوري والأخرى هوية الهابطين.
وللإيضاح أكثر بالأرقام ووفق عملية حسابية بسيطة، يظهر بأن النظام الحالي سيؤمّن 21 مباراة لكل فريق طوال الموسم، بينما ستخوض الفرق 6 مباريات أكثر وبمجموع 27 مباراة في حال اعتُمد المثل الوارد أعلاه.
مثلٌ آخر يمكن أن يُقنع أكثر في ما خصّ تقليص عدد الفرق، وهو ما عاشه فريق الشباب الغازية حتى هذه اللحظة، إذ دخل إلى السداسية وهو يملك 6 نقاط، ويبدو أنه سيبقى عليها حتى نهاية البطولة بعد تلقيه خسارةً تلو أخرى. واللافت أنه الفريق الأقل حصداً للنقاط في كل الدوري الآن، لا بل إن السلام زغرتا المتذيّل الترتيب يملك نقاطاً أكثر منه!
قرار تقليص عدد فرق الدرجة الأولى سيحمل معه فوائدَ فنيّة وماليّة مختلفة
وإلى نقطةٍ أخرى، قد تشجّع على تقليص عدد الفرق مستقبلاً، وفي الوقت المناسب بالنسبة إلى الاتحاد اللبناني، هو ردم الفوارق بين الأندية، إذ إن الواضح أن هناك خمسة فقط قادرة على السير قدماً من دون مشاكل ماليّة، وبالتالي فإن خوض الدوري بفرق أقل سيقلّص من هذه المشاكل من خلال جعل الدورة الاقتصادية المالية محصورة بين فرقٍ معدودة، ليصبح كلٌّ منها في مرحلةٍ مقبلة قريباً من بعضه فنياً ومالياً، ما يرفع أيضاً من حدّة المنافسة في سوق الانتقالات، ويجنّب اللاعبين أوجاع الرأس الناتجة عن تأخر حصولهم على مستحقاتهم أو حرمانهم منها تماماً كما حصل في فرقٍ عدة تقف حالياً في القسم الثاني من الترتيب. علماً أن لقرارٍ من هذا النوع تأثيرات مفيدة على بطولة الدرجة الثانية أيضاً لناحية خلقها مساحة لاحتضان لاعبين سبق أن خاضوا غمار دوري الأضواء ولم يجدوا لهم مكاناً فيها بفعل ضيق الخيارات، ما يرفع أيضاً من القدرات الفنيّة لفرقها، ويخلق تحديات أكبر لأنديتها في مواجهة نظيراتها التي تملك تاريخاً في الدرجة الأولى.
باختصار أهم نقطة إيجابية كشفها النظام الحالي لا ترتبط بعملية إبعاد الشبهات عن مبارياته، بل بما يمكن أن يكون عليه الدوري مستقبلاً، وهي مسألة تحتاج إلى قرارات مفصليّة قد لا تعجب البعض لكنها بالتأكيد ستعود بفوائد جمّة على المصلحة العامة.
من اجل دوري أقوى: تقليص عدد الفرق هو الحلّ